بقلم غالب قنديل

هدنة موسكو : تثبيت الإنجازات السورية

غالب قنديل

لا يمكن الفصل بين تصريحات الرئيس بشار الأسد في حواره مع قناة روسيا 24 وبين صيغة الاتفاق الروسي التركي التي اعلنت بعد اجتماع الرئيسين بوتين وأردوغان في موسكو فالسياق الفعلي واحد وهو الدعم الروسي المعلن لسورية ولمسيرتها الوطنية التي رسم القائد الأسد أهدافها بوضوح : تحرير إدلب وطرد الاحتلال الأميركي من الشرق.

 

أولا كانت فقرة حديث الأسد للقناة الروسية الموجهة إلى الشعب والجيش في تركيا بكل ما فيها تعزيزا لمساعي روسيا وإيران الطويلة والمتعثرة لاحتواء الدور التركي العدواني الذي جسد ارتباط الحكم الأخواني في تركيا بالخطط الاستعمارية الغربية في المنطقة كما أكد الأسد في الحديث بينما استثمر الرئيس بوتين في قاعة الاجتماع الطويل مع اردوغان خيبة ضيفه الثقيلة بعد عنترياته ضد روسيا وسورية وإيران واستغاثته بالرئيس الأميركي وبحلف الناتو بعدما اصطدمت قواته المعتدية على الأرض بمقاومة صلبة وعنيدة ادت لهزيمة عالية الكلفة بشريا ومعنويا ظهرات تداعياتها في الداخل السياسي التركي بوضوح في الأيام القليلة الماضية.

ثانيا كرس الاتفاق تعديلا جوهريا على صيغة سوتشي ونطاق تطبيقاتها في منطقة خفض التصعيد التي كانت تشمل ساحة المعارك الأخيرة وتقضي بتفكيك المعاقل الإرهابية وتسليم الطريقين الدوليين (إم 4 وإم 5) إلى القوات السورية ومن الواضح ان الصيغة الجديدة تكرس النتائج التي حققها في القتال الجيش العربي السوري وثبتت السيطرة السورية النهائية على الطريق (إم 5 ) الرابط بين حلب ودمشق بينما حصرت الترتيبات بأجزاء الطريق الرابط بين إدلب واللاذقية ودمشق ونص الاتفاق على تسلم الدوريات الروسية التركية المشتركة للمسؤولية عنها وفتح ممر بموازاتها.

ثالثا لعل الوصف الأدق للاتفاق هو اعتباره هدنة فرضها توازن القوى السياسي والعسكري الذي حققه الجيش العربي السوري وحلفاؤه الذين دعموه وقاتلوا إلى جانبه من روسيا ولبنان وإيران في معارك حاسمة ضد العدوان التركي وعصابات الإرهاب التي دعمها أردوغان بأقصى طاقة لديه وقد ثبت الاتفاق تراجع سلطان الوهم العثماني أردوغان عن شروطه السابقة التي صرح بها خصوصا ما يتعلق بتموضع الجيش العربي السوري على الأرض كما فرض عليه تجديد خضوعه لمبدئي محاربة الإرهاب والقضاء عليه واحترام السيادة السورية اللذين تمادى في خرقهما سياسيا وميدانيا منذ تدخله في سورية وفي الأيام القليلة الماضية التي توج فيها تعطيله الكلي لتفاهمات سوتشي التي كرسها اتفاق موقع مع الرئيس بوتين منذ العام 2018 .

رابعا هذا الاتفاق يكرس واقعيا حق الجيش العربي السوري بمواصلة جهوده لاستكمال تحرير محافظة إدلب كما تعهد الرئيس بشار الأسد فهو يؤكد على حق سورية في التخلص من الجماعات الإرهابية والقضاء عليها ويثبت الاعتراف بالسيادة الوطنية السورية ومن هذا المنطلق تصبح الهدنة مفتوحة على أحد مسارين فإما أن تشكل منطلقا لاستكمال تطبيق التزامات سوتشي المغدورة من خلال تفكيك الأوكار القاعدية والأخوانية التي دعمتها تركيا بإشراف روسي مباشر وبالتالي تسهيل انتشار الجيش العربي السوري في الطرق الدولية وسحب فلول الإرهاب متعددة الجنسيات من الأراضي السورية وشمول المجموعات السورية المتبقية بقواعد المصالحات الاحتوائية التي طبقت سابقا في مناطق اخرى وإما ان يتجدد القتال الذي لن يتوقف هذه المرة حتى إنجاز تحرير محافظة إدلب إلى الحدود الدولية مع تركيا وهناك يمكن فتح الحديث الفعلي عن مستقبل العلاقات السورية التركية التي حرص الرئيس بشارالأسد دائما على تأكيد توجهاته الإيجابية بشأنها وهي مشروطة أولا وأخيرا بكف العدوان الإجرامي وسحب أدواته النظامية والإرهابية.

ومن هنا يصح الاستنتاج ان اتفاق موسكو هو فرصة في المربع الأخير لمغامرات أردوغان بعد سنوات دامية من تورطه في أبشع فصول العدوان الاستعماري على سورية وبعد تفكك الأحلاف الدولية والإقليمية الكبرى التي قادها الأميركيون بفعل صمود سورية وقوة تحالفاتها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى