ليس أمام تركيا سوى التفاهم مع روسيا في سورية: د. هدى رزق
أظهر الهجوم الذي شنّه المسلحون المدعومون من تركيا ضدّ القوات السورية منذ 20 فبراير/ شباط للاستيلاء على بلدة النيرب جنوب شرق حلب تصـــميم روسيا على توفير الدعم الجوي والأرضي للقوات السورية دون ايّ مفاوضة حول الموضوع.
والدليل كان واضحاً إذ بعد ساعات من محادثات غير مجدية بين تركيا وروسيا بشأن التصعيد في شمال سورية أسفرت غارة جوية عن مقتل جنديين تركيين وإصابة خمسة آخرين. حدث الأمر بعد إعلان روسيا عن إصابة القوات الروسية بطائرة مسيّرة تركية إذ استهدف الإرهابيون طائرة مقاتلة روسية من طراز Su-24 شمال شرق النيرب بواسطة أنظمة دفاع جوي قصيرة المدى.
بعد محادثات مع روسيا رفض الجانب التركي عرضاً لشروطها. إذ طلبت من تركيا الانسحاب فوراً من مراكز المراقبة في إدلب التي أُنشئت كجزء من اتفاق وقف التصعيد لعام 2018 بين الجانبين. وطُلب من تركيا تسليم جميع نقاط التفتيش العسكرية على طرق الإمداد الرئيسية التي تربط تركيا بإدلب وعفرين إلى إدلب وتطهير مدينة إدلب بجميع عناصر المعارضة.
واقترحت أن تنشئ تركيا منطقة آمنة على بعد 15 كيلومتراً على طول الحدود التركية لاستضافة ما يقدّر بنحو 1.5 مليون لاجئ وسط العملية السورية المستمرة للاستيلاء على آخر معقل للإرهابيين في الحرب.
رأت تركيا انّ العرض الروسي سيكلف تركيا جميع مكاسبها في إدلب وغرب حلب، هي تضغط من أجل إنشاء منطقة آمنة على بعد 30 كيلومتراً على طول الحدود. قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 21 شباط/ فبراير: «نودّ بناء ثكنات في هذه المنطقة». رفضت روسيا مقترحات تركيا بشأن تسيير دوريات تركية روسية مشتركة في مدينة إدلب والسيطرة المشتركة على منطقة التصعيد، التي تستضيف 12 مركز مراقبة تركي تحت الحصار الحالي للقوات السورية. بينما استمرت تركيا في إرسال المزيد من القوات إلى المنطقة في محاولة لإجبار موسكو على العودة إلى طاولة المفاوضات أو ربما إلى قمة متعدّدة الأطراف، كجزء من الجهود الفرنسية الألمانية المشتركة.
لم يوافق بوتين على عقد القمة خلال محادثة هاتفية مع أردوغان ولم تسفر عنها أية نتائج ملموسة. استنجد أردوغان بالقوى الغربية التي تحجم عن المجابهة العسكرية المباشرة مع روسيا بينما احتفلت أنقرة بعيد الناتو الـ 68، مناسبة عكست تحوّل أنقرة المفاجئ على ضرورة إدراك جديد لاعتمادها الهيكلي على الناتو؟
تركيا في السنة الماضية انتقدت الناتو عبر الإعلام الموالي، لكن التغيير هذه السنة أتى مدفوعاً بالمأزق الذي وصلت إليه في إدلب وليبيا. لتخليص نفسها من تلك الطرق المسدودة، تحاول تركيا موازنة روسيا وتحويل علاقتها الثنائية مع روسيا، إلى أرضية متعددة الأطراف.
من الواضح أنّ أنقرة تحاول جذب حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة وأوروبا ذات الثقل الأكبر إلى مشاركة أكبر في إدلب لإعادة ضبط التوازن، في حين من المتوقع أن تمضي القوات السورية إلى الأمام حتى تؤكد سيطرتها على الطريق السريع M4 الاستراتيجي.
هل الناتو قادر على ردع روسيا في إدلب؟ على الإطلاق، قد يكون واقع أوكرانيا كافياً للردّ أنه من غير المرجّح أن يتحمّل الناتو خطر المواجهة المسلحة مع روسيا حول إدلب، والذي يعتبره صراعاً خارج المنطقة وخارج نطاق المادة 5 من معاهدة حلف الناتو على الدفاع الجماعي.
من المرجح أن يعود حلف الناتو بسرعة إلى وضعه الخاص بالكراهية في تركيا إذا فشل الناتو في تلبية طلب أنقرة للحصول على مساعدة عاجلة. أنقرة بحاجة ماسة للأعداء – سواء كانوا حقيقيين أو متخيّلين – لكي يتمكّنوا من أن يبيعوا للجمهور التركي تحوّلاتهم السريعة في سياستها الخارجية ونتائج سوء تقديرها السياسي والإستراتيجي.. لذلك، فإنّ تزويد تركيا بأنظمة الدفاع الجوي باتريوت يبدو غير مرجح في الوقت
الرئيس الأميركي ترامب لم يلتزم بطلب أردوغان في مكالمة هاتفية في 16 شباط/ فبراير الباتريوت، الا انّ الطلب التركي يحظى بدعم البعض في الإدارة الذين يرون فرصة لإصلاح العلاقة المضطربة بين الولايات المتحدة وتركيا وتعطيل الهجوم العسكري السوري.
تختار تركيا تحدّي سيطرة روسيا على مجال إدلب الجوي باستخدام أنظمة الدفاع الجوي قصيرة المدى التركية أو أجهزة التشويش على الرادار. سورية هي حرب أردوغان التي لا تنتهي لكنه لن يتمكن من الفوز بحلّ عسكري بينما يطالب برلمانيون معارضون في تركيا التصالح مع الرئيس الأسد لا سيما أنّ مشكلات تركيا تبدأ باللاجئين الذين يشكلون ضغط على الاقتصاد التركي. مع انّ أردوغان قال إنه سينقل اللاجئين إلى منطقة تسيطر عليها تركيا في شمال شرق سورية. وهذا سيحوّل وضع السوريين من «لاجئين» إلى «نازحين. البيان المشترك الصادر عن روسيا وتركيا وإيران في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 دعا الى عودة جميع النازحين داخلياً واللاجئين «إلى أماكن إقامتهم الأصلية» في سورية، وهو الحلّ النهائي، ولكنه لا يزال بعيد المنال.
اما مشكلته مع الأكراد في سورية فهي أدّت إلى تعقيد علاقاته مع الولايات المتحدة. بينما تضغط روسيا للتوصل إلى اتفاق بين الأكراد ودمشق، حيث عقد اجتماع في كانون الأول/ ديسمبر شارك فيه مسؤولون أكراد ورئيس المخابرات السورية اللواء علي مملوك. توتر العـــلاقات الروســية التركية على إدلب أدّى إلى بعض التغييرات غير المعلنة في الخيارات التكتيكية الكردية رغم معارضة الولايات المتحدة، حيث يتعاون الأكراد مع الجيش السوري في أجزاء معينة من العمليات في شمال غرب حلب، وبالتحديد في المناطق الواقعة على طول حدود عفرين».
تلقي روسيا باللوم على تركيا في جعل الأمور «أسوأ» بعدم فصل الجماعات الإرهابية تلك المرتبطة بجبهة النصرة على النحو المطلوب في سوتشي. بعد تصنيفها إرهابية من الولايات المتحدة ومجلس الأمن وترى أنها حليف فعلي لتركيا «تسيطر على 90٪ من إدلب وانْ تغيّر اسمها لن يغيّر من سياستها ومبادئها فيما وضعت أنقرة جيشها الى جانب الإرهاب علناً.
المحادثات الجارية اليوم بين بوتين وأردوغان ينبغي أن تراعي مصالحهما، في منع حدوث المزيد من التدهور في العلاقات حول سورية…
(البناء)