بقلم غالب قنديل

الحكومة بين التواطؤ والعدمية

غالب قنديل

يشعر أي حريص على البلد وعلى مصالح اللبنانيين الوجودية والحياتية بحجم الجريمة التي يرتكبها الفرقاء السياسيون الذين يستهدفون الحكومة ويسعون لعرقلة عملها عبر حملات الافتراء والتحريض وتقول خبرة التجربة انها حملات مغرضة لمجرد صدورها عن اطراف سياسية كانت لسنوات طويلة في موقع القرار وحملت مسؤولية الخيارات والسياسات التي اوصلت البلد إلى ما هو عليه واخطر ما في تلك الحملات هو استقواء محركيها بنفوذهم لدى مجموعة من الحكومات الخارجية التي يحرضونها على بلدهم ليطلبوا منها الإحجام عن مساعدته او إنعاشه بعدما تسببوا بانهياره.

 

اولا التأني في دراسة الخيارات والتوجهات والسعي إلى اعداد خطط متكاملة لاحتواء الكارثة وتداعياتهاهو  تعبير عن منهجية يتبناها رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب وفريق العمل الحكومي معه وهي منهجية تفكير اكاديمية معروفة ومتوقعة في اداء الحكومة منذ ولادتها.

امام فداحة الانهيار الحاصل اقتصاديا وماليا ونقديا وفي ظل الضغوط والقيود السياسية الخارجية التي لا تساعد في المبالغة بتوقع التجاوب غير المشروط مع طلبات حكومتنا للمساعدة على الانعاش المالي والاقتصادي لا بديل عن تمهل الحكومة لإجراء حسابات دقيقة لخياراتها وللنتائج والانعكاسات السيادية ومن الطبيعي خفض سقف التوقعات والرهانات حول ما تستطيع الحكومة إنجازه فعليا بالمعيار الزمني وحيث تقاس اهميته بنقطة الانطلاق التي هي الانهيار المحقق بعد التراكمات الكارثية التي خلفتها الحكومات السابقة.

ثانيا يتعمد المتحاملون تجاهل حقيقة ان الحكومة لم تتخط المهلة التي طلبتها لنفسها وهي بالتالي تواصل التحرك في دائرة ما وعدت به رغم المساعي الناشطة لمحاصرتها بالشكوك وبالضغوط.

ليس من المصادفات ان تحرك مجموعات احتكارية كبرى مروحة الضغط المعيشي وثمة ألوان سياسية معروفة لبعضها كتجمع شركات المحروقات او كبار التجار والوكلاء التجاريين الذي يتحكمون بالعديد من السلع الضرورية ويفترض ان تتحسب الحكومة لقوة الأخطبوط الذي يستهدفها ويسعى لتفشيلها من اول الطريق ومن الطبيعي  انها لن تستطيع إحداث انقلاب في ظروف عيش اللبنانيين دفعة واحدة.

احتواء الازمة يتطلب وقتا ومراكمة بطيئة لعوامل التحسن الممكن اقتصاديا وماليا وخطوات تحتاج إلى دعم ومساندة شعبيين لمحاصرة العراقيل وثمة تدابير قد تضطر الحكومة لاتخاذها تتطلب شرحا واسع النطاق لطبيعتها واهدافها.

ثالثا في وجه كل ما تقدم لا مجال للكثير من الصبر والانتظار على مجموعة من الأولويات الملحة التي نقترح على الحكومة إعداد لائحة بها ومباشرة التعامل معها بصورة طارئة وبالتوازي مع العمل الجاري لوضع الخطط الشاملة ومن هذه الأولويات تامين السلع الضرورية ومواجهة قوى الاحتكار التجاري في ضبط أسعارها وعدم حصر الرقابة على الأسعار بمنافذ البيع الفرعية في المجمعات والمحلات والدكاكين.

من الضروري تركيز الاهتمام على  الخبز والأدوية والمحروقات وينبغي التنويه بالجهود التي يبذلها وزير الاقتصاد راؤول نعمة على هذا الصعيد مع فريق عمل الوزارة وبموازاة الملف الاقتصادي  تبدو اولوية مالية مهمة وهي طمأنة صغار المودعين بتدابير تنهي عشوائية تعامل المصارف مع اموال اللبنانيين وتفعيل آليات المتابعة القضائية في موضوع الودائع المهربة إلى الخارج وهذا الملف يجب ان يوضع على الطاولة لإشعار الناس بجدية السعي لاتخاذ خطوات عملية تحتوي هواجسهم وتضع حدا لما يشاع عن انهيارات كبرى قادمة قد تلتهم كل ما جنوه وحفظوه لدى المصارف.

رابعا تنبغي الإشارة إلى مواقف سياسية وحراكية عدمية تحاصر الحكومة وترفض إعطاءها الفرصة وبدلا من مراقبة خطواتها لتحفيزها وتصويب عملها فإن تلك المنصات الحراكية تنشر اليأس والتشكيك من غير التقدم بأب برنامج او اقتراح اومطلب عملي.

هذه العدمية السياسية التي تستبق خطوات الحكومة بالدعوة إلى إسقاطها ليست محصورة بالحراكات المركوبة من أرباب النموذج الريعي الذي سقط واورث الكارثة بل إن بعض المنصات اليسارية والمجموعات غير الحكومية متورطة في النهج نفسه الذي يعدم الحكومة بحكم جاهز مما يلقي أسئلة كثيرة عن مدى ارتباط أصحاب هذه التوجهات بمصالح الناس وتطلعاتهم كما يزعمون وهم في الواقع يستكملون خناق الحصار السياسي على فريق حكومي يغامر بحمل المسؤولية الصعبة.

يتجاهل كثير من الحالمين والعدميين  ان ازمة البلد اليوم ليست نزاعا على توزيع الثروة بل هي حاصل نضوب الريوع ودمار الثروة الحقيقية باستنزاف يعرفون من تسببوا به خلال ثلاثين عاما كان معظمهم خلالها صامتين أو تائهين والتحدي الراهن هو في وقف الانهيار وتثبيت نقطة انطلاق لإعادة البناء الوطني بنموذج جديد يتخطى في خطوطه العامة ما استنسخوه تاريخيا من لوائح مطلبية وسياسية لكن البداية المتواضعة والمصيرية هي وقف الكارثة واحتواء النتائج وهذا ما تستحق الحكومة الدعم لإنجازه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى