هل يرتكب أردوغان الحماقة؟: ناصر قنديل
– خلال السنوات التي أعقبت إسقاط الطائرة الروسيّة بنيران الجيش التركيّ لا يبدو أن الرئيس التركي رجب أردوغان قد استوعب القواعد التي تحكم مناورته في سورية، فهو مقيّد بحدّين لا يمكن التلاعب بهما ولا تغييرهما سواء بالعناد والتبجح والتهديد أو بالإنبطاح والتزلف، وهما: أن واشنطن غير مستعدّة هي وحلفائها في الناتو لمشاركته حرباً تكون روسيا طرفها الثاني، والثاني أن روسيا مستعدة لخوض غمار المواجهة إذا قرّر أردوغان شنّ هجمات على الجيش السوري. وهذا الحدّان دفعا بأردوغان في معركة حلب الأولى قبل أعوام، للتموضع سياسياً وأمنياً ضمن مسار أستانة، تجنباً لمواجهة يدرك عواقبها ويدرك أنه لا يستطيع الفوز بنتائجها، كما يدرك قبل كل شيء أن الشعب والجيش في تركيا لا يملكان أسباباً لمجاراته في التورّط فيها إن أراد.
– حاول أردوغان استنفاد سنوات ما بعد أستانة، بالرهان على استئخار القرار الحاسم، والاحتفاظ بإدلب وأرياف حلب واللاذقية، مرة عبر فرضية صمود داعش طويلاً، ومرة بفرضية تجنب روسيا مساندة الجيش السوري في تحرير الجنوب ومخاطر التصادم مع الأميركي والإسرائيلي. ولما باءت رهاناته بالفشل وبدأت معركة إدلب وتوّجت بالانتصار الكبير الذي تعيشه سورية، كان يدرك سقوط رهان ثالث وهو صمود الجماعات الإرهابيّة التي زوّدها بالسلاح والعتاد، ودفع بجيشه إلى جانبها ليمنحها المعنويات، أملاً بصمود لم يتحقق.
– مع تساقط مواقع جماعاته وتحقيق الانتصارات السوريّة، صار وجه أردوغان إلى الجدار، فراهن على ثنائية العناد والانبطاح. العناد بوجه روسيا والانبطاح لواشنطن، أملاً بتغيير الحدّين الثابتين اللذين حكما معركة حلب الأولى، آملاً بأن يردع عناده روسيا عن تقديم الإسناد اللازم للجيش السوري إذا تعرّض لهجوم تركي، وبأن يُغري الانبطاح واشنطن فتعلن استعدادها لمشاركته المعركة، تفادياً لخوضها دفاعاً عن قواتها التي سيأتي موعد مطالبتها بالانسحاب إذا فرض مثله على القوات التركيّة، فذهب يرفع سقوف التهديد والتحدي بوجه روسيا من جهة، ويقدّم التنازلات والإغراءات لواشنطن من جهة موازية. وجاءت الحصيلة واضحة، مزيداً من الثبات الروسي على خيار المواجهة، ومزيداً من التحفظ الأميركي تجاه أي تورط بمغامرة عسكرية.
– المعادلة اليوم شديدة الوضوح وعلى أردوغان أن يقرّر، فترجمة التهديد بعملية عسكرية تستهدف الجيش السوري تهدّد بإشعال حرب سيكون الجيش السوري خلالها مستعداً لتقديم التضحيات الجسام دفاعاً عن سيادته الوطنية، وأظهرت التظاهرات العفوية ورشق الجنود الأتراك بالحجارة في مناطق السيطرة التركية حجم التعبئة النفسية التي يعيشها السوريون وصولاً للاستعداد للتضحية لمنع الاحتلال التركي من البقاء فوق أراضيهم، وسيكون حلفاء سورية بصور متنوّعة معها في هذه المواجهة، بين شراكة قوى المقاومة في الميدان، والدعم الإيراني من جهة، والدعم الروسي الناري من جهة مقابلة، وسيكون على أردوغان أن يتحمّل أمام جيشه وشعبه مسؤولية خراب كبير، قد يصل إلى تساقط الصواريخ في العمق التركي إذا تجاوز أردوغان الخطوط الحمراء لموضعيّة الاشتباك المفترض، والتزامه موضعيّة الاشتباك سيعني خسارته المحتّمة، حيث الجو سيكون روسياً، والأرض ستكون سوريّة.
– أردوغان يرفع السقوف، ويفتح الباب موارباً للتفاهم آملاً الحصول على بعض المكاسب التي يستطيع تصويرها نصراً، خصوصاً لجهة ربط مصير مدينة إدلب بالحل السياسي، فيتحدث وزير دفاعه عن مناشدة الروس الحياد من المعركة التي يريد خوضها مع الجيش السوري لأنه لا يريد مواجهة معهم، ووزير خارجيّته يتحدّث عن الاتصالات المستمرّة بحثاً عن حل سياسي، والرئاسة تقول إنها لا تزال تدرس مشروع القمة الثلاثيّة التي دعت إليها طهران مع تركيا وروسيا.
– أردوغان بين خيارين الآن، أن يرتضي تحوّل كلماته فقاعات، فيتراجع، أو أن يصير هو فقاعة تنفجر في تركيا بحماقة تنتهي بهزيمة محققة، وإن تحوّلت حرباً ستنهي حياته السياسية، وتاريخ أردوغان يقول إنه مراوغ، لكنه جبان.