هَبّة الضفّة تفرمل خطط واشنطن وتل أبيب: تأجيل لقاء نتنياهو ـ ابن سلمان؟: يحيى دبوق
تحمل التطورات الميدانية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كلّاً من واشنطن وتل أبيب، على إعادة حساباتهما في ما يتّصل بتنفيذ بنود «صفقة القرن». وفيما يبدو أن قرار ضمّ المستوطنات قد أرجئ إلى أجل غير مسمّى ربما يكون طويلاً، يظهر أن «القمة» الإسرائيلية – السعودية التي أميط اللثام عن تحضيرات كانت جارية لها قد أرجئت هي الأخرى، بالنظر إلى ضعف المكاسب المرجوّة منها في هذا التوقيت بالذات.
تكاثرت في الفترة الأخيرة، تحديداً ما بعد الإعلان عن «صفقة القرن» الأميركية، التقارير عن لقاءات جرت وأخرى يُعدّ لإجرائها بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وكبار المسؤولين الإسرائيليين، ونظرائهم من ملوك وأمراء وقادة خليجيين وعرب. تكاثرٌ يبدو لافتاً جدّاً، في مرحلة يتداخل فيها الخاص والعام في الكيان الإسرائيلي، المصدر الأول وشبه الحصري للتسريبات عن تلك اللقاءات. «القناة 13» العبرية مثلاً كشفت، عبر سلسلة تقارير، عن زيارات سرية بين إسرائيل ودول خليجية وأفريقية خلال العامين الماضيين، بما في ذلك في الأشهر الأخيرة، مسلّطةً الضوء على المستوى الذي بلغته جهود التطبيع من قِبَل السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عُمان تجاه إسرائيل، وانضمام المملكة المغربية والسودان إلى هذا الركب.
وإلى أبعد مما تقدّم ذهبت بعض التسريبات في الأيام القليلة الماضية، حيث تَحدّثت عن جهود أميركية وإسرائيلية لعقد لقاء علني بين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الرياض، بعد أن يحلّ رئيس وزراء العدو ضيفاً على المملكة. وهو ما أكّدته مصادر سياسية إسرائيلية شدّدت على المصلحة المشتركة للأطراف كافة في هذا اللقاء، وتحديداً الجانبين الأميركي والإسرائيلي بعد الإعلان عن «صفقة القرن»، متحدثةً عن مشاركة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في الترتيب لـ«القمة» الإسرائيلية – السعودية. لكن، ما الذي يدفع إسرائيل إلى الحديث علناً عن تحضيرات تجري في الغرف المغلقة لجمع نتنياهو وبن سلمان، وهي تدرك أن الكشف المسبق من شأنه إفشال اللقاء وتأجيله، الأمر الذي يدفعها دائماً في حالات مشابهة إلى انتهاج استراتيجية الصمت إلى حين تحقّق المطلب؟ وفقاً للتسريبات، فإن التحضيرات لـ«القمة» بدأت قبل فترة، لكن تداعيات الإعلان عن «صفقة القرن» دفعت على ما يبدو إلى تأجيلها. كان نتنياهو يأمل الاجتماع بابن سلمان قبل انتخابات «الكنيست» الثالثة في الثاني من آذار/ مارس المقبل، لكن تأزّم الوضع في الأراضي المحتلّة شوّش على أجندته، وعطّل محاولته تحقيق فائدة شخصية من اللقاء، الأمر الذي دفعه – على ما يظهر – إلى تسريب معلومات في شأنه أملاً في حصد نتيجة ما. مع ذلك، فإن تجميد التحضيرات لـ«القمة» لا يلغي إمكانية حصولها، الذي لا يفترض أن يكون مفاجئاً لأيّ متابع لتطور العلاقة وتناميها بين الجانبين.
تضغط ردّة الفعل الفلسطينية، على القيادتين الأميركية والإسرائيلية في اتجاه تأجيل الضمّ
كذلك، تدفع التطورات التي أعقبت الإعلان عن «صفقة القرن»، واشنطن وتل أبيب، إلى إرجاء ضمّ المستوطنات وغور الأردن وأجزاء أخرى من الضفة الغربية إلى أجلٍ غير مسمّى، يبدو أنه سيطول أكثر مما كان متوقعاً. في الخلفية الأولى للقرار الأميركي منع نتنياهو إجراء الضمّ قبل الانتخابات الإسرائيلية، يكمن حرص الولايات المتحدة على عدم التسبّب بإحراج إضافي للحكام العرب ربما يضطرهم إلى اتخاذ مواقف حادّة، ومن هنا كان طلبها «فترة تبريد» تمتدّ لأسابيع. لكن أيضاً، والأهمّ، تضغط ردّة الفعل الفلسطينية، وتحديداً الشعبية والمتمثلة في تنفيذ عمليات فردية ضدّ الاحتلال، على القيادتين الأميركية والإسرائيلية في اتجاه تأجيل الضمّ، لما سيحمله تنفيذه من تأثيرات ميدانية سلبية على إسرائيل. وعلى هذه الخلفية، دعا السفير الأميركي في إسرائيل، ديفيد فريدمان، وهو أحد عرّابي «صفقة القرن» وأوّل الداعين إلى الإسراع في ضمّ المستوطنات، إلى التريّث قبل اتخاذ قرارات متسرّعة لا تصبّ في مصلحة إسرائيل والمستوطنين، مشدداً على ضرورة تأجيل الضمّ إلى ما بعد دراسة المنحى الإجرائي بشكل مناسب، حتى «تستطيع الولايات المتحدة الاعتراف بمثل هذه الوضعية» كما قال فريدمان لـ«جيروزاليم بوست»، معتبراً أن تلك العملية «لا تستغرق بالضرورة زمناً طويلاً، لكن يجب أن تكون متأنّية ومدروسة».
تهديدات «أبو مازن»… جوفاء
عزّز الجيش الإسرائيلي وحداته المنتشرة في الضفة الغربية بقوات إضافية، على خلفية تزايد الاحتجاجات الشعبية والعمليات الفردية من قِبَل الفلسطينيين ضدّ جنود الاحتلال في مناطق مختلفة من الضفة. وجاء قرار تعزيز القوات «بالمئات من الجنود» «بعد سلسلة جلسات تقويم للأوضاع»، وفق ما ذكرت مصادر عسكرية إسرائيلية لصحيفة «معاريف». لكن، هل تكفل هذه الإجراءات إنهاء الاحتجاجات، والأهمّ إنهاء العمليات الفردية التي يمكن أن تؤدي، في حال تواصلها وتصاعدها، إلى انتفاضة شاملة؟ يبدو أن الاحتلال، على رغم قلقه من انفلات الأمور، مطمئن إلى أن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس لن تسمح بتمادي التصعيد، وإن أبقت على مستويات محمولة منه. وما دام «التنسيق الأمني» متواصلاً مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فلا خشية حقيقية من انهيار الأوضاع مهما تأزّمت.
ووفقاً لمصادر عسكرية إسرائيلية تحدثت إلى «يديعوت أحرونوت»، فإن قيادتَي الجيش و«الشاباك» سارعتا إلى عقد جلسات تقدير للوضع، مباشرةً بعد الإعلان عن «صفقة القرن»، استعداداً لمواجهة التداعيات المتوقّعة ميدانياً، والتي لن تصل كما قدّرت القيادتان إلى حدّ الاحتجاج الشعبي الشامل. لكن كان واضحاً لكلّ من شارك في الجلسات، بحسب المصادر نفسها، أن سقوط قتلى وجرحى من الجانب الفلسطيني سيشكّل وقوداً لانتفاضة جديدة. ومن هنا، تَقرّر، إلى جانب تعزيز القوات، خفض الاحتكاك مع الفلسطينيين، والذي قدّر المشاركون أن السلطة الفلسطينية ستساهم فيه عن طريق إنشاء حواجز بوجه «المشاغبين».
هكذا، لا تتعامل إسرائيل بجدّية مع تهديدات «أبو مازن» بوقف «التنسيق الأمني». وفي هذا الإطار، تنقل «يديعوت أحرونوت» عن مصادر عسكرية قولها إن تهديداته سُمعت في الماضي ولم تؤدِّ إلى شيء، و«سبق لمؤسسات السلطة أن تلقّت قرارات بإنهاء التعاون الأمني والاقتصادي مع إسرائيل، وهو نفسه عمل على منع تطبيق هذه القرارات». وتلفت الصحيفة إلى أن ثمّة «تقديراً داخل الجيش الإسرائيلي بأن عباس غير قادر على إلقاء المفاتيح وقطع العلاقات، لأن لديه مصلحة عليا في إبقاء السلطة حيّة، بما في ذلك مصلحة اقتصادية شخصية له ولرجاله».
(الاخبار)