مقالات مختارة

تبرير التطبيع السودانيّ بذرائع برازيليّة سياحيّة مضحكة!: د. وفيق إبراهيم

الأسباب التي برّر بها السودان اتجاهاته التطبيعيّة مع الكيان الإسرائيلي توازي بتلفيقاتها المناحي التي ذهب اليها رئيس وزراء «إسرائيل» بنيامين نتنياهو.

 

ففيما زعم رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان ان لقاءه الاخير بنتنياهو هو لمصلحة السودان ادعى الإسرائيليون ان هذا التقارب يؤدي الى خفض ساعات الطيران المدني بين تل ابيب وأميركا اللاتينية من 18 ساعة الى 11 ساعة فقط، وهذا انجاز استراتيجي كبير لأن هناك نحو 125 الف إسرائيلي في البرازيل بمفردها بحاجة لتسهيلات في حركة الانتقال.

هل هناك عاقل يرتضي بهذا التبرير؟

إن مثل هذا الهراء السطحي لا يساوي جزءاً بسيطاً من اختراق صراع تاريخي مستمرّ بين العرب والمحتلين الإسرائيليين ضاعت فيه فلسطين وأراضٍ سورية ولبنانية ومئات آلاف الشهداء، وهي قضية لا تزال مشتعلة عسكرياً وسياسياً.

أما حقيقة الدوافع فمنطلقها إسقاط منطق الرفض العربي للكيان الإسرائيلي وبالتدريج حتى لا يبقى إلا المحور السوري اللبناني فيجد نفسه مضطراً للانصياع ومعه غزة قطاع الأبطال.

وهذا يستتبع دعماً أميركياً برفع السودان من لائحة الدول الداعمة للإرهاب ودعم نظامها العسكري بمظلة الدعم الغربية، ما يفتح له صناديق الدولارات السعودية – الإماراتية والدعم المصري المجاور.

إلا أن هناك أبعاداً كثيرة لهذا التطبيع مع السودان تندرج في إطار الصراعات الجيوبوليتيكية الكبيرة وصولاً الى تطويع الإقليم العربي – الإقليمي.

بماذا تستفيد «إسرائيل»؟ فضلاً عن اسقاط الدول العربية تباعاً في علاقات كاملة معها، يفتح لها هذا التطبيع علاقات اقتصادية كبيرة مع أضخم بلد عربي هو السودان بمساحة مليون وثمانمئة الف كلم2 وأراض خصبة ومياه وثروات مطمورة لا تعرف مواقعها إلا المراكز البحثية في الكيان الإسرائيلي وواشنطن ومتفرعاتها.

بذلك تتشكل حلقة جغرافية – جيوبوليتيكية من فلسطين المحتلة الى مصر السيسي وصولاً الى سودان البرهان ومجلسه «السيادي».

إن كل هذه الاسباب المذكورة ليست الا الشكل الظاهري للتطبيع السوداني الإسرائيلي، اما في عمقها فتشكل محاولة للسيطرة على البحر الأحمر من نقطة التقائه بالمحيط الهندي وانعكافه نحو باب المندب وصولاً الى قناة السويس فالبحر الأبيض المتوسط.

هذا الخط هو أهم خط نقل وانتقال في العالم، والمسيطر عليه يمسك بالنفط والغاز والاقتصاد بمعدلات كبيرة.

بما يكشف طبيعة الصراع الأميركي مع الإيرانيين وأسباب إصرارهم على إسقاط سورية والإمساك بالعراق.

فعندما يتمكن الأميركيون من تحقيق هذه الغايات المذكورة يصبح بحرا الخليج والأحمر بحيرة أميركية يحتاج من يريد عبورها الى بطاقة مرور مختومة من الدولة الأميركية.

كما ان البحر الابيض المتوسط بثرواته من الغاز واهمياته الاستراتيجية الأخرى يتحول وساماً على صدر المستعمر الأميركي.

يتبين بالاستنتاج المنطقي ان الاسترداد الأميركي للسودان عبر التطبيع مع «إسرائيل» له خلفية إنجاح الملاحة في البحر الاحمر الذي يضم مصر والسعودية والاردن ودول القرن الأفريقي واثيوبيا والسودان والولايات المتحدة الأميركية و»إسرائيل» المتربصة تحسناً في حركة تطبيعها مع العرب للإعلان عن عضويتها في هذا الحلف.

ما هي أبعاد هذا الحلف؟

هو جزء من الصراع مع إيران على مضيق هرمز وباب المندب وشط العرب في قسمه العراقي.

يرتبط السودان بباب المندب الذي يقع قبالة الساحل الغربي لليمن، لكن بوسع الخرطوم عرقلة حركة المرور منه لأنها تكاد تواجهه عند الساحل المقابل، كما أن بوسع «مجلس البرهان» أن يرسل قوات اكثر من الجيش السوداني لمحاربة الدولة اليمنية في صنعاء. وهذا ما يريده الرعاة الأميركيون الذين يعتبرون إسقاط الساحل الغربي لليمن، اسقاطاً لكامل دولة صنعاء، وسيطرة على البحر الاحمر والغاء لأدوار مضيق هرمز الذي يصبح قليل النفع مع السيطرة الأميركية على بحر عدن، وبالتالي على المخرج من البوابة اليمنية للمحيط الهندي.

يكفي الأميركيون اذاً وضع يدهم على باب المندب للبدء بمنح حلفهم للملاحة الإسرائيلي – العربي الأميركي صلاحية ادارة اهم خط انتقال في العالم من شط العرب الى البحر المتوسط.

وهنا يكمن دور السودان التي تشارك في الحرب على اليمن بنحو 15 ألف مقاتل من جيش البرهان وريث الرئيس السابق عمر البشير.

والمطلوب منها أن تُرسل كميات أكبر لإسقاط الساحل الغربي اليمني وإعلان إسرائيل عضواً اساسياً في حلف الملاحة.

بذلك تستكمل واشنطن حصار إيران مع أهداف اضافية تتعلق بعرقلة الهرولة الروسية الى الشرق الاوسط والسعي الصيني الحثيث للمزيد من الانتشار الاقتصادي.

هناك نقطة أكثر توغّلاً وتتعلق بالغاز الذي تصبح صادراته من منطقة الخليج تحت الوصاية الأميركية وآلية أساسية في خدمتها لحصار الغاز الروسي الذي يحتل الموقع العالمي الاول في الانتاج وتليه ايران وقطر وسورية والبحر المتوسط.

هنا تكمن أهمية السودان في معادلة الصراع الاقتصادي والقتال على موارد الطاقة من دون إغفال إمكانات السودان في المياه والأرض والموقع الاستراتيجي.

وهذه مميّزات يعرفها كل دول العالم ويجهلها حكام السودان الأعداء الفعليون للشعب السوداني والمروّجون لحكايات السياحة في البرازيل.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى