مشروع بيان وزاريّ مختصر: ناصر قنديل
– عندما قرأت مسودة البيان الوزاري التي تم تداولها في وسائل الإعلام شعرتُ بأنها مطوّلة لن تحقق الهدف المرجوّ من البيان، خصوصاً لدى فئات الشعب التي تنتظر البيان لتقرّر كيفية النظر للحكومة الجديدة، ورغم ثقتي بالنيات الطيبة الواقفة وراء نص البيان كما تقول الأفكار التي حاول كتابة التعبير عنها، أحسسته باهتاً وتقليدياً ومحافظاً، بل ربما مرتبكاً ومتلعثماً في قول ما يجب أن يُقال في هذا المقام. ولست أتحدث عن حلول تقنية للأزمة المالية والاقتصادية سيصعب على اللبنانيين الحكم على صحتها، بقدر ما تعنيهم نتائجها التي يجب أن ترد كتعهّدات في البيان، وكما في الاقتصاد كذلك في السياسة، ينتظر اللبنانيون بياناً يتحدّث بلسانهم، مع الأخذ بالاعتبار أنه يخاطب نواباً يطلب ثقتهم، فقدوا الكثير من مهابة كانت للنيابة يوماً، فقرّرت تخصيص مقالتي لتكون مشروع بيان مختصر.
– أيّها اللبنانيّون أيّتها اللبنانيات، أيّتها السيدات أيّها السادة نواب الأمة، إن لحظة مصيرية فاصلة هي التي جاءت بنا إلى سدّة المسؤولية، وهي لحظة جعلتكم كنواب للأمة تستشعرون ما ينادي به الشعب في الشوارع والساحات، وتحاولون ملاقاته بحدود الممكن في اعتراف ضمنيّ بفشل حكومات المحاصصة الحزبية الطائفية، وحكومتنا ليست حكومة غير سياسية بل هي حكومة سوبر سياسية تعبر عن محاولة مصالحة نادرة يتوجّب علينا إجراؤها بين النظام السياسيّ الذي فقد الكثير من مشروعيته، ولو بقيت له الشرعية، وبين شعب غاضب من الفشل وثائر على الفساد. وهذه المصالحة لن تكون بمطال أيدينا ما لم نتعاون معاً، للتأسيس لتغيير جذري في النظام، تغيير يلاقي ما يطلبه الشعب.
– الشعب يطلب انتخابات نيابية وفقاً لقانون جديد وعصري ومدني ونحن نشاركه القناعة وسنسعى معكم لجعله قناعتكم ليبصر النور، ومهلتنا معاً هي مئة يوم ليحكم الشعب على فرصة المصالحة بالنجاح أو الفشل. والشعب يطلب مكافحة الفساد وأداته نظام قضائي جدير بالثقة، مستقلّ محصّن بوجه السياسة والسياسيين، لا تحدّ سلطته حصانات ولا حمايات، وهذا هو عهدنا الثاني. والشعب يطلب إعادة التحويلات التي تمّت من المصارف لحساب سياسيين أو نافذين أو خارج الأصول القانونيّة وباستنساب ومحسوبيّة تسربت إلى النظام المصرفي وهذا واجبنا، والشعب يطلب إنصاف صغار المودعين وعدم تحميلهم أعباء الأزمة التي تحققت في ظل سياسات مالية واقتصادية ومحاصصة حقّق خلالها كبار المودعين والمستثمرين في سنات الخزينة وأصحاب المصارف أرباحاً طائلة، وهذا حق لهم وواجب علينا. والشعب يطلب حسم توافر العملات الأجنبية لتلبية الاحتياجات المحقة بسعر واحد. وهذا ما سنسعى مع الهيئات المالية لتحقيقه، وخلال مئة يوم سيكون لنا بيان يقول ما حققنا وما لم نحقّق ولماذا، وإن كان من عراقيل وعقبات تفوق قدرة الحكومة لأسباب قاهرة موضوعيّة تتعلق بأوضاع البلاد، أو لأسباب التعطيل السياسي فلن نتردّد بقولها.
– نحن أيّها السادة لسنا حزبيين، لكننا لا نقلّ وطنية عن أيّ لبناني، ولذلك لا نحتاج لنسخ فقرة من بيان حكومة سابقة تفادياً للجدل حول المقاومة، فنحن ككل اللبنانيين نفخر بأبنائنا الذين حرّروا الأرض ونعرف أننا نحتاج لمواجهة خطر العدوان وحماية ثرواتنا لهذه المقاومة، وندرك بالمقابل خشية بعض اللبنانيين وهواجسهم من تأثير هذا السلاح على معادلات الداخل وعلى ربط لبنان بمحاور الخارج، ونعرف كيف نميّز بين القضية التي تمثلها المصالح الوطنية العليا والمشكلة التي تترتب على موجبات القضية، وكيف يكون واجب المسؤول بحلّ المشكلة من دون إلحاق الضرر بالقضية. والحوار بين اللبنانيين هو الطريق الوحيد لذلك، ونحن من موقع وطنيّتنا وعروبتنا ندرك مخاطر صفقة القرن على القضية الفلسطينية وعلى المصالح اللبنانية، وحتمية مواجهتها صوناً للقضية والحق، لكننا ندرك أيضا أن علاقة لبنان بأشقائه العرب يجب أن تعبر فوق تجاذب محاور إقليمية يعيش لبنان تداعياته، وفوق انقسامات في المواقف، خصوصاً مع سورية وحولها، ولذلك ستعمل الحكومة على الاهتمام بما يحقق مصلحة لبنان خصوصاً في بناء أفضل العلاقات مع الشقيقة سورية، ونحن ندرك أنها حاجة ومصلحة لبنانية، وسنوضح للأشقاء العرب أننا بذلك نقوم بدور لبنان التقليدي للتمهيد للمصالحات العربية، وليس لنقف في محور بوجه محور.
– أيّتها اللبنانيّات أيّها اللبنانيّون، سنعمل على توفير الكهرباء 24 على 24 خلال ستة شهور ونرفع التعرفة بعدها لننهي عجز الموازنة الناجم عن دعم الكهرباء فتحمّلونا، وسنعمد لتحقيق ذلك من خلال استجرار الوقود والكهرباء من الأشقاء، ونتعهّد بتخفيض الفوائد على القروض والسندات والودائع خلال شهر، ونلتزم بتأمين أسواق لمنتجاتنا الزراعية والصناعية وتقديم الدعم لها لتحلّ مكان أغلب مستورداتنا الغذائية والاستهلاكية من خلال تفاهمات مع الأشقاء واعتماد التبادل التجاريّ معهم بالعملات الوطنية، وسنسعى لتعاون لبناني سوري عراقي لتشكيل سوق مشتركة يحصل من خلالها لبنان على نفط عراقي ميسّر، وعلى سلع زراعية وصناعية لا تُضارب على إنتاجنا الوطني من سورية بأسعار تلائم حاجاتنا بأسعار رخيصة، وسنضمن تسويق منتجاتنا في السوقين العراقية والسورية، ونسعى ليستعيد مرفآ بيروت وطرابلس ومصفاة طرابلس وجامعات لبنان ومصارفه ومستشفياته مكانتها التقليديّة في العراق.
– أيّها اللبنانيون، يا نواب الأمة المحترمين، بعد ستة شهور سنطرح نحن الثقة بحكومتنا أمام هذا المجلس واضعين من الآن كشوفاً بأموالنا وأملاكنا بين أيديكم، رافعين الحصانة عن أنفسنا في أية مساءلة قضائية تتصل بالمال العام.
– عشتم وعاش لبنان.
(البناء)