إلى العرب الأحياء بعد «صفقة القرن»: توحّدوا ووسّعوا الاشتباك مع أميركا و«إسرائيل»…: د.عصام نعمان
العرب الأحياء هم عرب المقاومة. هم ليسوا غالبية الأمة بل طليعتها الخلاّقة. المعادلات الميدانيّة تتقدّم في تفكيرهم وتدبيرهم على الاستعراضات السياسية. لم تُحبطهم مشهدية “صفقة القرن” في البيت الأبيض الأميركي بل عزّزت لديهم إرادة الصمود والمقاومة.
يُدرك العرب الأحياء المقاومون انّ الصهاينة والإنجيليين الأميركيين المتصهينين يحققون مكاسب على صُعُد الصوت والصورة والخداع. لكن متغيّرات الميدان تشي بحقائق مغايرة. ففي ميادين الاشتباك تتقدّم قوى المقاومة وتتراجع قوى الهيمنة والتسلّط والظلامية والمنظومات الحاكمة الفاسدة.
الشواهد كثيرة: في اليمن تتلاحق هزائم أعداء الثورة في جميع جبهات القتال. المقاومون انتقلوا من الدفاع الى الهجوم. طاردوا العدو إلى عمقه الاستراتيجي. ضربوا منشآت “أرامكو” ما أدّى الى خفض إنتاج السعودية من النفط الى النصف. ردّوا جميع الهجمات التي استهدفت مدينة الحديدة وميناءها وأكرهوا السودان على سحب مرتزقةٍ كان عهد البشير الساقط قد صدّرهم لدعم حلفائه المهزومين في اليمن.
في غزة أحبط المقاومون أربع حروب شنّتها “إسرائيل” في مدى ثماني سنوات بقصد كسر إرادة المقاومة شعباً وفصائل وشلّ القطاع بالحصار والنار.
في الضفة الغربيّة يتصدّى المقاومون بالسلاح الأبيض لجيش “إسرائيل” ولجلاوزة المستوطنين دفاعاً على المسجد الأقصى، ويشاغلون العدو على مدى مساحة الضفة برمّتها.
في لبنان ألحق المقاومون هزيمة نكراء بجيش “إسرائيل” في حرب 2006 وفرضوا عليه مذّذاك توازناً ردعياً أكرهه على وقف اعتداءاته والاختباء وراء جدارٍ وأسلاكٍ شائكة سيّج بها مستوطناته في الجليل.
في العراق أنهى المقاومون خلافة البغدادي وتنظيم “داعش” المدعوم أميركياً في الموصل ومحافظات شمال العراق وفتحوا معبر القائم ــ البوكمال مع سورية.
في بلاد الشام حرّر الجيش العربي السوري والمقاومون معظم المحافظات السورية التي اجتاحتها التنظيمات الإرهابية المدعومة من أميركا وتركيا و”إسرائيل”. وهم يستكملون حاليّاً تحرير محافظة إدلب ويستعدّون لتحرير مناطق شرق الفرات، حيث حقول النفط والغاز.
صحيح انّ “إسرائيل” وأميركا وتنظيمات الإرهاب كانت تقوم بعمليات اختراق لافتة في سورية والعراق لعلّ أبرزها عملية اغتيال قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، لكن المقاومين كانوا يتصدّون ويردّون بقوة وشراسة. ولا شك في أنهم نعموا بمعنويات عالية عندما قامت حليفتهم الجادة والجدّية إيران بعملية انتقامية باهرة رداً على أميركا استهدفت خلالها قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقية ودمّرت مركز القيادة والسيطرة وتوابعها وأصابت عشرات الجنود والتقنيين.
باختصار، ومن دون مغالاة، نجحت قوى المقاومة العربية، بدعمٍ سخي من إيران، في إقامة توازنٍ رادع مائل لجهتها في وجه “إسرائيل” وقواعد أميركا العسكرية في مختلف بلدان المشرق والخليج العربية. المقاومون، تنظيمات وجماعات وأفراداً، برهنوا أنهم أقوياء في نفوسهم ومتمرّسون قتالياً وتقنياً وذوو نَفَس طويل. هذه الحال النفسية والميدانية المتقدّمة والمترعة بمعنويات عالية وإرادة صلبة وتصميم على مواصلة النضال في غمرة تعاطفٍ جماهيريّ متصاعد تضجّ في الواقع بقدرات وازنة وتشكّل، بمجرد توافرها، حافزاً على النهوض بمهام استراتيجية تاريخية ليست أقلها مواجهة “إسرائيل”، ومن ورائها الولايات المتحدة، على مستوى الأمة العربية جمعاء.
نعم، أنتم مدعوّون أيّها العرب الأحياء، وفي المقدّمة المقاومون الملتزمون الأشدّاء، الى توسيع دائرة الاشتباك مع أميركا و”إسرائيل” وحلفائهما المتورّطين معهما سياسياً ومالياً وميدانياً، والى التدرّج في إدارة الصراع وتصعيده وصولاً الى إجلاء الولايات المتحدة، احتلالاً ونفوذاً ومصالح، عن ربوع القارة العربية من شواطئ المحيط الأطلسي الى شواطئ المحيط الهندي، والنهوض تالياً بمهمة تاريخية جلل هي بناء حضارة عربية جديدة ومتجددة في مختلف أرجاء الأمة وميادين العمران والاقتصاد والإنماء والثقافة والفن والإبداع. ذلك كله يتطلّب الوفاء بشروط نهضوية استراتيجية ملزمة، أبرزها خمسة:
أوّلها إيجاد هيئة قيادية طليعية مستشرفة يتوافق على تكوينها العرب الأحياء من المقاومين الملتزمين ومن أهل القيم والعلم والمعرفة والاختصاص والتجربة والممارسة الناجحة.
ثانيها الالتزام بعقيدة المواجهة الأخلاقية والنضالية والوطنية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان بما هي المضمون الحقيقي للديمقراطية المعاصرة القابلة للبقاء والنماء والتطور.
ثالثها توحيد جبهات مواجهة ومقاومة “إسرائيل” وقواعد الوجود الأميركي في غرب آسيا، لا سيما في فلسطين المحتلة، وتوسيع الاشتباك معها وإكراهها على توزيع قواتها على أوسع رقعة جغرافية ممكنة ما يؤدّي الى إنهاكها وتسريع تراجع الهيمنة الأميركية وانهيار الكيان الصهيوني العنصري.
رابعها إقامة تحالف عريض ومقاتل، محلياً وإقليمياً وعالمياً، مع قوى التحرر والتقدّم بغية التعجيل في إزاحة قوى الهيمنة والاحتلال والقمع والاستغلال في العالم.
خامسها العمل لدعم الجهود الهادفة إلى إقامة الدولة المدنية الديمقراطيّة بما هي الإطار السياسيّ والاجتماعيّ والإنسانيّ الأفضل لإدارة المجتمعات التعدديّة، والسعي إلى تنسيق التجارب القطرية الناجحة في هذا المجال وصولاً الى إقامة دولة عربية اتحادية (فدرالية) مدنية مبنيّة على قواعد الديمقراطية وحكم القانون والعدالة والتنمية والتجدّد الحضاري.
هل من خيار وسبيل أفعل وأفضل؟
(البناء)