مقالات مختارة

جديدُ صفقة القرن 
ليس في فلسطين!: د. وفيق إبراهيم

التوقيت الذي اختاره الرئيس الأميركي دونالد ترامب للإعلان عن صفقة القرن مع شريكه رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي نتنياهو مرتبط بتحسين وضعه في الانتخابات الرئاسية أواخر العام الحالي، وقد يتناسب مع أزمة شريكه المتهم بفساد قابل لإطاحته في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة  فيحاول التغطية عليه بإنجاز تاريخي كبير.

 

لكن الدول المركّبة لا تبني مشاريعها على طموحات حكامها فقط، وإنما استناداً لمصالحها العميقة.

هذا ما حدث تماماً في مشروع صفقة القرن.

فهو ملخّص لدراسة عميقة أعدّتها دوائر القرار الأميركي الاستراتيجية لمعالجة التراجع الأميركي في الشرق الأوسط ببعديه العربي والإسلامي، وبالتالي العالمي.

لذلك ابتكرت خطة تبدأ بنقل العلاقات العربية الإسرائيلية من الغرف المقفلة الى الدائرة العلنية. وهذا يتطلب تقليصاً لدور القضية الفلسطينية في منع العرب من الذهاب بعيداً في حلفهم مع الكيان المحتل.

بذلك ينبثق حلف إسرائيلي – عربي يستمدّ متانته من استعداء إيران على أساسين: شيعيّتها وعداؤها لإيران.

عند هذا الحد لا يبدو الهدف الأميركي مكتمل  العناصر حتى يتضح بالتعمق فيه أن صفقة القرن مشروع له أبعاد جيوبوليتيكية تبدأ من فلسطين والإقليم العربي بهدف الإمساك الشديد بتلابيب العالم الاسلامي للحد من الصعود الصيني والهرولة الروسية.

فتبقى الأحادية القطبية الأميركية في الموقع الأول، فيما تجد كل من الصين وروسيا صعوبة في إدراكها، فتقتنعان بالموجود على أمل التطوّر في مراحل مقبلة.

قد يعترض ناقدون على هذه القراءة بذريعة اكتفاء الأميركيين بعرض الجانب الفلسطيني من خطتهم، ما يستدعي تقديم العديد من الأدلة التي تؤكد الأبعاد الفعلية لخطة صفقة القرن.

فالسؤال الأول يركز على مدى قابلية هذه الخطة لا تصبح قراراً يوافق عليه مجلس الأمن الدولي.

فيتبين أن روسيا والصين وفرنسا الأعضاء في مجلس الأمن لن يوافقوا عليها، على الرغم من أن اعتراض دولة واحدة من هذا الثلاثي كافٍ لعرقلتها.

كذلك فإنّ الاتحاد الأوروبي ليس في وارد الموافقة على صفقة القرن ويتمسّك بحل الدولتين على أساس حدود الـ1967 وربما مع بعض التعديلات الطفيفة.

بدورها جامعة الدول العربية لن تتجرّأ على تأييدها وقد تتبنّى موقفاً ملتبساً لا يقتل الذئب ولا يبيد الغنم.

وهذا حال مجلس التعاون الخليجيّ الذي لن يصدر إلا موقفاً يدعو فيه إلى مفاوضات فلسطينية إسرائيلية برعاية أميركية، أي يكتفي بموقف غامض يؤسس لإعلان الحلف الخليجي – الإسرائيلي مع مصر والأردن، بحجة الحرص على قضية فلسطين، ربما من الخطر الإيراني.

إن ما يمكن استنتاجه هو أن المؤسسات الدولية والإقليمية الأساسية لن توافق على صفقة القرن بالإضافة الى مواقف الدول الكبرى الأساسية من روسيا والصين والهند ومعظم أوروبا ومجلس التعاون الإسلامي حتى أن تركيا العضو في حلف الناتو أعلنت رفضها له.

يتبيّن أن القاعدة الدولية والإسلامية والعربية لصفقة القرن ليست إيجابية.

ما يُبقيها مجرد اتفاق حبّي بين دولتين لسرقة أراضٍ وممتلكات تعتبرها الأمم المتحدة ملكاً لطرف ثالث هو الفلسطينيون، فإذا كانت هذه الصفقة عاجزة عن كسب تأييد الشرعية الدولية المتجسّدة في الأمم المتحدة وموافقة الدول الأساسية في العالم، فأين تكمن قيمتها؟

واذا كان الفلسطينيون بتنوع اتجاهاتهم يعلنون استعدادهم لقتالها، مندفعين نحو إعادة توحيد قواهم للمرة الأولى منذ عقدين اتسما بخلافات شديدة بين غزة والضفة، فمن هم مؤيدو هذه الصفقة إذاً؟

بالنسبة لـ»إسرائيل» فإنها تحتل فلسطين منذ 1948 واستكملتها بالسيطرة الكاملة منذ حرب 1967. والسؤال هنا، يتعلق بمكامن ما تستفيده «إسرائيل» من صفقة القرن بشكل فعلي، بما يؤكد أن هذه الصفقة غير القابلة للتشريع القانوني على المستويات الدولية، لا تضيف لـ»إسرائيل» أيّ مميزات، فهي تحتل فلسطين منذ أكثر من سبعة عقود وعلى ثلاث مراحل.

ولها مع الأميركيين علاقات تحالفية قوية لا تحتاج الى صفقة قرن لإثبات عمقها، فـ»إسرائيل» اليوم أهم ولاية أميركية تبني عليها واشنطن للسيطرة على الشرق العربي والبحر المتوسط.

فيتضح اذاً أن أهداف صفقة القرن الحقيقية هي الدافع باتجاه منح مبررٍ لمعظم الدول العربية بالتخلّي عن فلسطين لمصلحة حلف مع «إسرائيل».

باعتبار أن صفقة القرن تمنح الفلسطينيين في دول الاستضافة مقابل 45 مليار دولار تدفعها دول الخليج لأكلاف التغطية ورشوة البلدان المجاورة.

هكذا تنجلي أهداف صفقة القرن بوضوح على أنها آلية أميركية لتبرير ولادة حلف عربي – إسرائيلي يجمع اثنتي عشرة دولة عربية مع الكيان المحتل، في إطار حلف يعادي إيران مانعاً التوغل الروسي – الصيني في العالم الإسلامي.

هذا ما يريده الفريق الأميركي – الإسرائيلي، فهل هو قابل للتطبيق؟ وحدة الفلسطينيين تشكل عنصراً مركزياً في إفشال صفقة القرن بالمقاومة داخل الأراضي المحتلة والاتصال بمعظم المراكز الدولية، ما يمنح حلف المقاومة وحلفاءهم الدوليين والإقليميين دوراً مركزياً في التأسيس لجبهات سياسية وقتالية تدعم الداخل الفلسطيني وتجابه المشروع الأميركي لتكسر تلك الذرائع الواهية حول خطر إيراني مفترض.

ويظهر أن الخطر على المنطقة هو أميركيّ – إسرائيلي تسانده أنظمة عربية تعتقد أن استمرار سلطاتها يفرض عليها الانصياع للأميركيين والتحالف مع الإسرائيليين.

فلسطين إلى أين؟ وربما العالم العربي إلى أين؟

قوة فلسطين مع حلف المقاومة كفيلان بتفجير صفقة القرن وإعادة العالم العربي الى مرحلة صون حقوقه وبناء معادلات تعيده إلى القرن الحادي والعشرين.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى