مقالات مختارة

لبنان في 2020:
حكومة الـ 20 بين الصفر والـ 20: العميد د. أمين محمد حطيط

في ظلّ الحركة الاحتجاجيّة الظاهرة التي يشهدها لبنان والمواكبة مع تدخّل خارجي خفيّ يبتغي استثمارها، استقالت حكومة الـ 30 الحريرية واستبدلت بحكومة من 20 وزيراً خرجت منها قوى رئيسية من مكونات الطبقة السياسية اللبنانية (تيار المستقبل والقوات اللبنانيّة) فضلاً عن بقاء الأحزاب القوميّة والوطنيّة التي لم تكن ممثلة في الحكومة السابقة خارجها أيضاً، حكومة تمثل فيها بغير الحزبيين كلّ من الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر وتيار المردة وقسم من الدروز، حكومة وضعت أمام تحديات كبيرة، منها ما كان قائماً قبل وجودها ومنها ما استجدّ بعده فكيف ستواجه وما هو المتوقع لها؟

 

في البدء لا بدّ من التنويه أنّ حكومة العشرين القائمة شكلت في تأليفها رغم ما شابه من عيوب وثغرات، قفزة نوعية في الحياة السياسية اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم، إذ أسقطت نظرية “حكومة الوحدة الوطنية” الكاذبة التي كانت خلية إنتاج فساد مستمر او تعطيل دائم، وتكوّنت من اختصاصيين غير حزبيين خرج منها أشخاص ثوابت في أيّ حكومة كانت تشكل بعد العام 1992 أو أقله بعد العام 2005، ثم ضمّت ما يقارب الثلث من النساء، وجاء أكثر من النصف من أعضائها من أكاديميين وأساتذة جامعيين ممن يتولّون المناصب السياسية لأول مرة، وأخيراً استجابت بكليتها لنظرية فصل النيابة عن الوزارة.

إضافة الى ذلك لا يمكن أن نتجاوز مسألة هامة في قيام هذه الحكومة من البعدين السياسي او الاستراتيجي، حيث انّ النجاح في تشكيلها شكل صفعة لدعاة الفراغ السياسي في لبنان ودعاة نشر الفوضى المدمّرة فيه، مع ما تستتبعه من انهيارات شتى أولاً ثمّ إضرام نار الفتنة بين فئاته الشعبية بما يشغل المقاومة ويرهق جمهورها. وهي الفتنة التي جرت حتى الآن 5 محاولات لنشرها في أقلّ من 3 أشهر. ما يعني انّ تشكيل الحكومة يدخل نقاطاً إيجابية في رصيد من شكلها وهو المصنّف مقاوماً او ممانعاً للسياسة الأميركية وللمشروع الأميركي في المنطقة المشروع الذي يتضرّر منه لبنان عبر مصادرة أو اقتطاع قسم من حقوقه لمصلحة “إسرائيل”.

بيد أنّ هذه الوقائع والخصائص على أهميتها لا تكفي لتضمن لهذه الحكومة النجاح في ظلّ تعقيدات داخلية وتجاذبات إقليمية وضغوط دولية، تكاد للوهلة الأولى تنبئ بشبه استحالة نجاح هذه الحكومة في مهمة ارتضت أن تضطلع بها وهي إنقاذ لبنان الذي تتسارع به الخطى نحو الانهيار الاقتصادي والمالي الكبير فضلاً عن التصدّع الأكبر في البنية السياسية اللبنانية.

لكن هذه الحكومة رغم دقة الظروف وصعوبتها، ليست مجردة من عناصر القوة التي يمكنها الاستناد اليها في مناورتها او مشروعها الإنقاذي، خاصة أنّ هذه الحكومة تستند سياسيّاً الى أكثريتين هامتين… أكثرية نيابية تتعدّى الـ 67 نائباً بشكل مؤكد فضلاً عن أكثرية شعبية تتعدّى نصف اللبنانيين بشكل واقعي موضوعي، كما لها أن تستند الى القوة العسكرية والأمنية الرسمية وغيرها التي تمكنها من أن تبقي الوضع الأمني تحت السيطرة، كما انّ لهذه الحكومة ان تستفيد من الانقسام الإقليمي والاستفادة من دعم أحد المحاور والتكتلات الإقليميّة معطوفاً على الدعم الدولي الذي جاهر أصحابه به حتى الآن، ما يعني أنّ لدى هذه الحكومة أوراق قوة داخلية وخارجية مهمة ويمكنها استعمالها لتنطلق الى العمل الذي يخدم عملية الإنقاذ التي انتدبت نفسها إليها. فهل ستنجح؟ ثم ما هي معايير النجاح المعوّل عليه؟

إنّ أمام هذه الحكومة فرص نجاح لا بأس بها، وسيكون نجاحها إذا حصل إنقاذاً للبنان، أما معاييره فهي ترتبط بالتدابير التي تشير إليه وتنقسم الى فئتين، فئة يعتبر القيام بها نجاحاً وفئة يكون القبول بها فشلاً، وعليه نرى أنّ أعمال الفئة الأولى والتي تؤكد النجاح تشمل على الأقلّ:

1 ـ صمود الحكومة بوجه الضغوط الداخلية او الخارجية، وعدم المسارعة إلى الاستقالة التي تدخل البلاد في الفراغ لأنّ مثل هذا الفراغ سيكون الطريق الأقصر للفوضى والانهيار ووضع قرار لبنان كلياً بيد الخارج، كما هو الحال في بلدان عربية عصفت بها نيران الحريق العربي.

2 ـ التعاون مع مجلس النواب، لإقرار قوانين محاربة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة بشكل سريع ثم وضع الآلية التنفيذية لها ووضعها موضع التطبيق الجدي، وهو عمل سيسحب الذرائع من يد الضاغطين على الحكومة الداخلية والخارجية خاصة أولئك المطالبين بالإصلاح والراهنين دعمهم بذلك.

3 ـ رفع اليد عن القضاء ومنع التدخل في أعماله، وتشجيعه على العمل السريع والمتواصل لبتّ الملفات التي تتضمّن هدراً للمال العام أو خرقاً لقانون الإثراء غير المشروع.

4 ـ وضع قانون جديد للانتخاب والبحث في إمكانية إجراء انتخابات مبكرة وفقاً لتطوّر الظروف.

 

أما الفشل فإنه سيكون في العجز بالقيام بما تقدّم من جهة، ويكون الفشل الأكبر وسقوط لبنان إذا تمّت الاستجابة للمطالب الأميركية التي من أجلها يحاصر لبنان ويعاقب والتي من أجلها يحصل التدخل لحرف الحركة الاحتجاجية عن مسارها وأهدافها. فأميركا تريد من لبنان الآن وفي معرض “صفقة القرن” التي تستعدّ لإعلانها لتصفية القضية الفلسطينية، تريد من لبنان القبول بـ:

أ ـ توطين نصف مليون لاجئ فلسطيني في لبنان لأنّ “صفقة القرن” شطبت حق العودة.

ب ـ ترسيم الحدود البحرية مع “إسرائيل” ليتنازل لبنان بموجبها عن مساحة تتراوح بين 400 كلم2 (خط هوف) و862 كلم2.

ج ـ إعادة النظر بالحدود البرية الدولية مع فلسطين المحتلة بشكل يعطي “إسرائيل” كلّ أرض تبتغيها بحجة الضرورات الدفاعية.

د ـ خروج حزب الله من السلطة في لبنان ثم وضع جدول زمني لتفكيك منظومته العسكرية للإجهاز على المقاومة.

إنّ الحكومة أمام فرصة زمنية قصيرة لا تتعدّى الـ 100 يوم، يحكم بعدها على النجاح وبوادره او السقوط والكارثة، ويمكنها أن تحصل على علامة إنتاج تتراوح بين الصفر والعشرين، وأنّ من حقها ان تطلب فرصة للعمل والاختبار وواجب على الجميع إعطاؤها هذه الفرصة، وإلا يكون انتحار جماعي يشارك الكلّ فيه.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى