السنيورة وإيران وحزب الله
غالب قنديل
تضمنت كلمة الرئيس السابق فؤاد السنيورة بمناسبة ذكرى الرابع عشر من آذار اتهامات ضد إيران وحزب الله وهي لا تخرج عن سياق ما يمكن تسميته بكل راحة ضمير: الفجور السياسي الذي يمارسه بعض رموز المستقبل وقياداته المتحصنة في عجزها الفكري والسياسي عن الابتكار والفهم وقد كشف السنيورة عن موهبة متميزة في التحريض والتلفيق بعيدا عن أي مناقشة علمية تستند إلى الوقائع.
اولا يقول السنيورة : “لا يخفى على أحد دور ايران وأذرعتها الإقليمية على مساحة العالم العربي وفي مقدمها حزب الله الذي يفتعل حروباً هنا وهناك، ويورط لبنان واللبنانيين “.
إن أي متابع يتحلى بالقليل من الموضوعية يلاحظ ان دور إيران في المنطقة يتبدى في تحريك المبادرات والدعوات المستمرة والمتلاحقة لعرض التعاون والشراكة الإيجابية والبناءة على حكومات الخليج تتقدمها المملكة السعودية التي يقر المستقبليون بكونها مرجعيتهم الأولى والحاسمة وعلى رأسهم السيد السنيورة الذي يعلم جيدا ان إيران تضع في اولويات نهجها السياسي التصدي للكيان الصهيوني الغاصب وحماية المنطقة من تهديداته وحروبه العدوانية وعلاقة إيران بحزب الله وكذلك بحركة حماس وبالدولة الوطنية السورية تقوم على هذا المبدأ دون أي اعتبار للفوارق العقائدية والسياسية بين الجمهورية الإسلامية وهذه الجهات التي تلاقيها في محور المقاومة المناهض لإسرائيل في تعريفه لهويته الإقليمية ولأولويات تحرك أطرافه.
بينما لا تنفك طهران تتوسل السبل إلى التعاون الإقليمي الإيجابي فإن حكومات خليجية عديدة وعلى رأسها السعودية تراهن على التعاون مع إسرائيل لصد ما تزعم أنه خطر تعاظم القوة الإيرانية التي هي سند حقيقي لكل عربي يقاوم الاستعمار والصهيونية وبالطبع تلك تعابير منكرة في ادبيات المستقبل وقوى 14 آذار وهم يصفونها بالخشبية تماشيا مع التوجيهات الأميركية بتعميم ثقافة التطبيع المبنية على مسح الذاكرة الشعبية وتهيئة العرب لعهد التعامل الاقتصادي والأمني والسياسي مع الكيان الصهيوني .
بينما يعطي حزب الله ومعه إيران كل الأولوية لمقاومة الصهيونية وتنمرها في المنطقة ظهرت ثمار الشراكة والتعاون بين بعض الجهات الخليجية وكيان العدو في ربط عصابات الإرهاب الناشطة عبر الجولان السوري بالمخابرات الصهيوينة وبواسطة ضباط أردنيين وببدلات أتعاب صرفتها الأجهزة السعودية والقطرية للمتورطين في هذه اللعبة القذرة .
ثانيا ما تظهره لنا الوقائع يثبت ان إيران لا توظف قوتها الفائضة في تهديد أي جهة في جوارها الإقليمي وما يدعوه السنيورة ” أذرعة إيران الإقليمية ” يتناول بهذا الوصف قوى محلية في عدد من البلاد العربية لها اوزانها الشعبية والتمثيلية وهي تلتقي مع إيران في مقارعة الاستعمار والصهيونية ورفض الهيمنة وهي تساهم في التصدي لمحاولات تصفية قضية فلسطين بالتسمية الأميركية المحببة للسيد السنيورة وهي “عملية السلام ” التي لمس العديد من المفاوضين الفلسطينيين والعرب انها لا تعني في الحسابات الأميركية والصهيونية غير الهيمنة وشطب حق العودة واقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وبيوتهم لصالح التهويد والاستيطان.
تشهد التطورات الإقليمية لحكمة إيران ولحرصها على علاقات حسن الجوار ولتواضع سياساتها الخارجية لأنها رفضت التورط في الازمات الداخلية الخليجية والعربية وسعت للتأثير على القيادات التي تجمعها بها علاقات على أي مستوى كان لتشجيع منطق الحوار والحلول السلمية ومنع الانزلاق إلى الصدامات المذهبية المدمرة .
لقد تعاملت القيادة الإيرانية بكل حماس مع مبادرات حزب الله المتلاحقة لاحتواء التشنجات المذهبية ومنع الفتنة في لبنان والمنطقة مقابل تصميم تيار المستقبل وشركاه على إشعال المزيد من الحرائق الطائفية والمذهبية وعلى مواصلة دعم القوى التكفيرية المجرمة بهدف النيل من الجمهورية العربية السورية ومن خيارها المقاوم ويعلم العديد من قادة حكومات الخليج ان إيران رمت بثقلها وتأثيرها لمنع انزلاق المواجهات السلمية في الخليج إلى التصادم العنفي وقد عززت منطق الحوار والتواصل في اكثر من بلد خليجي هزته الأزمات الصاخبة والخطرة خلال ما سمي بالربيع العربي ولا تزال.
ثالثا اتهام السنيورة لحزب الله بافتعال “الحروب هنا وهناك” هو افتراء مفتعل ومفبرك غايته التحريض بالمراهنة على ضعف الذاكرة فتيار المستقبل هو الذي تورط في الفصول الأولى للحرب على سورية وهو الذي باشر تهريب السلاح وتجنيد الإرهابيين واحتضانهم وأقام غرف العمليات لجماعات التكفير وعملاء المخابرات الغربية والفرنسية خصوصا على الأراضي اللبنانية منذ ربيع العام 2011 وقبل سنة ونصف من انخراط حزب الله في الدفاع عن لبنان من الداخل السوري وفي محاصرة ارتدادات ما فعله السنيورة وشركاه .
في ربيع ذلك العام 2011 لم تكن إيران نفسها قد حسمت موقفها بمساندة الدولة الوطنية السورية التي هي شريكتها الاستراتيجية المعلنة منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاما وظلت القيادة الإيرانية مصممة على اختبار فرص الوساطة من أجل حوار سوري يرجح الحل السياسي وقد بذلت العديد من المساعي والجهود مع واجهات المعارضة السورية في الخارج وخصوصا مع قيادة الأخوان المسلمين.
من جانبها كانت قيادة المستقبل منخرطة في حلف الحرب العدواني تهرب البواخر المحملة بالأسلحة إلى مرفأ طرابلس ومن ثم تنظم عمليات تهريب الحمولات إلى المناطق الحدودية وتبني البؤر والمربعات الأمنية التي تضم إرهابيي القاعدة وفصائلها وجماعات المرتزقة الدوليين الذي أحضروا إلى لبنان وحيث تولت مجموعات حريرية منظمة مساعدتهم في الدخول إلى العديد من المناطق السورية التي أحرقوها ودمروها وارتكبوا فيها المذابح.
الأحقاد هي أسوأ موجه للسياسة وعندما تجتمع بالتبرير الذي يخدم ارتباطات خارجية تصبح النصوص كمية من الأكاذيب الصارخة والمفتعلة فماذا يترك للنقاش في كومة الاتهامات الخادعة ؟