مقالات مختارة

حكومة دياب في مواجهة أربعة معوقات: د. وفيق إبراهيم

تبدأ الحكومة الجديدة أعمالها في أجواء تنشر التشاؤم حول إمكانياتها في مجابهة أعنف أزمة بنيويّة تضرب النظام السياسي اللبناني.

 

هناك أيضاً قلة من المتفائلين تروّج لقدرة حكومة حسان دياب على لجم التدهور السياسي – الاقتصادي تمهيداً للعمل بخطط تدريجية تعيق الاستقرار.

لكن المدهش في هذه المعادلة هو غياب الوسطيين الذين يؤمنون عادة بتسوية بين التفاؤل والتشاؤم، الذين يتركون عادة لما «يسمونه» بالظروف الداخلية والخارجية دوراً كبيراً في معالجة الانهيار او دفعه نحو الانفجار، لذلك فإن المهم اولاً هو نجاح حسان دياب في تشكيل هذه الحكومة التي يتمتع وزراؤها بثلاثة عوامل على الاقل: أولاً انتسابهم الى طبقات علمية متمكّنة تفهم اختصاصات الحقائب التي يحملونها بعكس وزراء الحكومة السابقة الشديدي التسيّس مع افتقار شديد الى الملكات العلمية.

حتى أن نقاداً كانوا يتندّرون بأن معظمهم لا يعرف من جدول الضرب إلا ما يفيد مصالحهم بالتعامل الرشيق مع المال العام.

العامل الثاني يتعلق باستقلالية هؤلاء الوزراء الذين لا يخلون بكل تأكيد من أهواء سياسية، وهذه ميزة تسهل لهم تجنب تلقي أوامر مباشرة من خارج الحكومة.

العامل الثالث، اضطرار هذه الحكومة الى «التعامل الحازم» مع نوعين من الأحزاب، الطائفيّة المتضررة منها وهي المستقبل والقوات والاشتراكي والكتائب او القوى الطائفية الداعمة لها في حلف الثامن من آذار. فالأولى تريد عرقلة أعمالها في ما يسعى بعض اطراف الجهة الثانية الى تيسير «أدواره الخاصة» في الوزارات والإدارات كالأيام الخوالي المرتكزة على فنون التحاصُص.

لجهة المعوق الثالث فهو السياسة الاقتصادية الجديدة المفروض بها إلغاء سياسات اقتصادية عمرها ثلاثة عقود قامت على أساس إثراء الطبقة الاقتصادية المصرفية والسياسية من خلال الفساد من جهة والاستثمار بالدين من جهة ثانية.

بما يعني أن أي إلغاء لهذا التآمر الاقتصادي التاريخي على لبنان، لا يعني إلا استنفار أحزاب الفساد السياسي وحاكم مصرف لبنان وزمرته من المصارف التابعة للطبقة السياسية، مع تغطياتها الخارجية.

ان كل هؤلاء المعتادين على السطو على المال العام يحاولون البحث عن تسويات تحفظ لهم الأموال التي نهبوها في المراحل السابقة والتأسيس لمرحلة نهب جديدة إنما بعد تمرير «مرحلة نزاهة» مشبوهة لن تطول إلا بالتزامن مع العمر الافتراضي لحكومة دياب التي يتردّد أنها لن تستمر أكثر من بضعة اشهر محدودة.

هناك جزء إضافي يرتبط بالسياسة الاقتصادية الجديدة، وهو الدور الخارجي «التقليدي» في تلبية حاجات لبنان عبر نظام الاستدانة الذي يجري تقديمه حريرياً، وكأنه «هبات من رب العالمين الغربي» فيما هو دينٌ يتراكم ليؤدي دوراً اقتصادياً بخلفية سياسية، و»سيدر» واحد من هذه الآليات التي كاد اللبناني أن يعتقد أن أموالها هبات أوروبية بضغط من الأم الحنون فرنسا.

للإشارة فإن لبنان التاريخي اعتاش على هذه الديون منذ أواخر الثمانينيات والتي ازدادت بعد الإقفال الاميركي – السعودي للوظائف الاقتصادية للحدود اللبنانية – السورية.

بما يفرض الاستمرار بالاستدانة فيما المطلوب تعزيز مقومات إنتاج لبناني داخلي، فهل تجرؤ حكومة دياب على إعادة فتح هذه الحدود لإعادة تعزيز الترانزيت والسياحة من لبنان في اتجاه الاردن والخليج والعراق؟ هذه الحدود ليست موضوعاً اقتصادياً صرفاً لانها مرتبطة بضرورة وجود موافقات اميركية – وسعودية وربما اسرائيلية.

يبدو بالاختصار أن تأمين «المال» لوقف الانهيار هو اكبر معوق يعترض سبيل حكومة دياب، لأنه داخلي – اقليمي ودولي فإذا كان المستوى الداخلي موجوداً وقابلاً للحل فإن الاقليمي والدولي يخضع لمفاوضات عميقة لن تتمكن حكومة دياب من الإفلات من براثنها او من معظمها على الاقل، خصوصاً لجهة ضبط الغاز اللبناني استخراجاً واستثماراً في اطار المطالب الأميركية الأميرية.

يتبقى العامل الرابع وهو كيفية تعامل لبنان مع الصراعات الأميركية – الخليجية من جهة والسورية الإيرانية من جهة اخرى.

هنا ينتفض الخط الخليجي – الاميركي اللبناني مصراً على نأي مضحك للنفس يبيح له معاداة سورية والابتعاد عن أي شيء إيراني بما فيه الدواء والكهرباء مقابل ارتهان كامل للخليج القرون اوسطي واحترام الى حدود الخشوع لمطالب البيت الأبيض.

أما الشيء المؤكد هنا فإن حزب الله لن يقتفي اثر بعض الاضطرارات الحكومية التي قد تلتزم صمتاً في معظم المواقف لتمرير مصالح اقتصادية للبنان، فتطبق نأياً فعلياً لسياساتها عن صراعات الإقليم، وقد تجس نبض الإقليم في الرياض وأبو ظبي والسفارات الأميركية حول فتح حدود سورية مع لبنان لتأمين استقرار ذي بعد عربي للبنان، علماً أن رئيس الحكومة حسان دياب يعرف أن الأردن عاود فتح حدوده الاقتصادية مع دمشق، الى جانب عودة الكويت والامارات وعمان الى افتتاح سفاراتها في الشام. هذا بالاضافة الى بدء لقاءات دبلوماسية سعودية سورية قد تؤدي الى انفراجات سياسية تعكس تماسك الدولة السورية ونجاحها في دحر الإرهاب.

أينتظر لبنان كل هؤلاء ليصلوا قبله الى دمشق كي يبدأ رحلة العودة اليها؟ فيكون مثل «الذاهب الى الحج والحجيج عادوا منذ مدة».

هناك اذاً، معوقات صعبة في وجه حكومة دياب، لكنها تمتلك أيضاً معوقات وقف الانهيار الاقتصادي بشكل تدريجي وبوسائل داخلية على رأسها الغاز وفتح الحدود مع سورية وضرب الفساد الإداري والسياسي والانخراط في نظام إنتاجي، كما انها بحاجة لوسائل دعم خارجي على رأسها الفاتيكان المهتم بمسيحيي لبنان الممثلين لمسيحيي الشرق وفرنسا الراغبة بالعودة العميقة الى الإقليم من بوابة لبنان المحايد، كما ان الأميركيين البراجماتيين يعملون على ضرب حزب الله، لكنهم يعرفون ايضاً ان موازنات القوى اللبنانية ليست لمصلحتهم كما كانت في المرحلة الحريرية ويوافقون بالتالي على معادلة سياسية معتدلة يمثلها حسان دياب الذي يستطيع أداء أدوار حيادية بوسعها الدفع نحو الاستفادة التدريجية للاستقرارالوطني.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى