هل يجدد بوتين دماء روسيا أحمد مصطفى
عندما تابعت خطاب الرئيس الروسي بوتين أمس الأربعاء الموافق 15 يناير 2020 أمام الجمعية الفيدرالية الروسية، والذي تطرق فيه لعدة موضوعات، لفت نظري التالي:-
بالنسبة الجانب الإجتماعي والإقتصادي:
بالنسبة لإنخفاض العامل الديموغرافي داخل روسيا الدولة الأكبر على وجه الكرة الأرضية من حيث المساحة – فقد خصص الرئيس بوتين حوافز للانجاب، ولتشجيع الشباب على الزواج ومدد بعض لحوافز الى عام ٢٠٢٦ – بالفعل هذا شيء مشجع على الإستقرار داخل روسيا، ويهدىء من استياء الشارع الروسي من آداء الحكومة، وخصوصا في فئة الشباب الروسي، والذين نتقابل معهم يوميا، إما بالمترو، أو في الجامعة، أو بأماكن العمل في القطاع الخاص والغالبية غاضبة.
إلا أن ما يزيد من الإستقرار الاقتصادي والإجتماعي عند الشغب الروسي ليس فقط الحوافز الإجتماعية والسلع المدعومة لبعض الفئات – ولكن الآداء الأقتصادي والإجتماعي – حيث كانت تدور حوارات بيننا اثناء المحاضرات ود/ مكارينكو “رئيس قسم الدراسات الروسية بالجامعة” عن هذا الموضوع – وتوصلنا انه هناك امل للاصلاح – من خلال وجود مجتمع مدني قوي وفاعل، يحافظ على حقوق العمالة لدى القطاع الخاص، وجمعيات حقوقية قانونية تدافع عنهم تحميهم من الفصل التعسفي.
ذلك الأمر الذي يجعل فئة كبيرة من الشباب الروسي، حتى من الطبقة المتوسطة، تسعى دائما للحصول على وظائف حكومية في القطاعات الحكومية المختلفة كحصن آمان، وربما بعد العمل الحكومي يعمل في القطاع الخاص ليعوض ضعف القوي الشرائية من الراتب الحكومي، ويتشابه مع الشباب المصري في هذه النقطة – أو التفكير في الهجرة غربا لدول الإتحاد الأوروبي أو أمريكا للحصول على فرص أفضل.
تكلم الرئيس بوتين عن الجانب الإقتصادي وانخفاض التضخم الى 3% وربما ان سعر الروبل حاليا ارتفع امام الدولار ليقل عن حاجز ٦٠ روبل ولأول مرة منذ سنتين – بعد ان وصل إلى 66 روبل العام الماضي، مع انخفاض نسبي لأسعار السلع منذ عدة اسابيع، هل ربما للصفقات الأخيرة التي عقدت مع الصين، وزيادة صفقات الغاز والنفط والسلاح وخصوصا مع دول شرق اسيا والهند وبعض الدول العربية وأمريكا اللاتينية، وبعيدا عن استخدام الدولار كوسيط، واستخدام اليوان واليورو كبديل، وزيادة السياحة الوافدة الى روسيا، وكذلك الطلاب الأجانب الراغبين للدراسة في الجامعات الروسية، وانخفاض معدل البطالة الى حوالي 5%، فبالتالي هناك حالة قريبة للانتعاش في الأسواق الروسية.
ولكن سيادة الرئيس لزيادة الإستثمارات بنسبة 5% وخصوصا المباشرة منها، فكما قلت بالفعل عليك العمل على اطار تشريعي جديد ناجز، ييسر ويوحد للمستثمر سواء الوطني أو الأجنبي، الإجراءات مع اختيار كفاءات إقتصادية تضع منظومة اقتصادية فعالة في أقرب وقت وخصوصا في اجتماع الجمعة 17 يناير، تشجع الإستثمار، وايضا تحافظ على امان وسيادة الدولة الروسية، وليكن هناك خبراء لديهم خبرة بالتجربتين الصينية والألمانية وهي تجارب ناجحة.
أيضا يجب العمل على إنشاء مركز تحكيم دولي في موسكو يحل النزاعات التجارية بين المستثمر الأجنبي والدولة أو الشركاء الروس، وهذا عنصر مطمئن للمستثمر الأجنبي، وأيضا من اعظم الأدوار في هذا الصدد هو دور البنوك الروسية وعلى رأسها البنك المركزي الروسي، وومحاولة تغيير سلوكه لاقراض المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والتي تشجع الشباب الروسي على الإستثمار، لدفع عجلة القطاعات الأكبر المتوسطة والكبيرة، وهذا ما يزيد الإستثمار حقا لأعلى من 5% – بدلا من قروض الإستهلاك التي تجعل من المواطن الروسي عبدا للبنوك ،وعرضة للإفلاس وعدم السداد كما يحدث في الغرب.
يوجد ايضا سيادة الرئيس احد العيوب الخطيرة في الإقتصاد الروسي والتي اشار اليها الفيلسوف الإقتصادي “كتاسونوف” والذي اتمنى ان تستعين به في هذا الملف، خاصة للاسف لربط العملة الروسية بالإحتياطي الفيدرالي الأمريكي ومن سم الدولار الأمريكي، الأمر الذي للاسف يجعل العملة الروسية غير ثابتة، بسبب التلاعب الذي يقوم به الإحتياطي الفيدرالي، على سعر ليبور العملة الروسية بسبب النزاع القائم بين روسيا وأمريكا – وهذا الأمر يجب علاجه بأقرب فرصة بالتعامل بـ “العملات الوطنية ما بين روسيا وشركائها، أو بالذهب، أو باليورو، أو بالمقايضة، وهذا بالفعل أصبح أمر واقع داخل الإقتصاد الروسي.
بالنسبة لتحسين البيئة داخل روسيا – هنا يقع المتابع للشان الإقتصادي بين أمرين، إما تقليل البطالة وزيادة العمالة والإنتاج من خلال عدم الإكتراث بتحسين البيئة، إما الإلتزام بالمعايير البيئية وهو امر مكلف دون دعم من الدولة مع تخفيض حجم العمالة – وعليه لا بد من وضع حوافز من قبل الدولة الروسية للمستثمرين الذين يطبقون معايير الجودة البيئية والمحافظة على عدد مناسب من العمالة، مع تشجيع استخدام وسائل الطاقة اقل تلوث للبيئة ومنها طاقة الميثان مثلا المتولدة من مطامر القمامة فمدينة موسكو، على سبيل المثال، تنتج يوميا آلاف الأطنان من القمامة التي يمكن تحويلها لطاقة نظيفة تقلل تلوث الهواء بنسبة ٩٥%، مع تشجيع الجامعات ومراكز الأبحاث بالإشتراك مع الشركات لمحاولة مكافحة تلوث المياه الناجم عن المخلفات الصناعية، وايضا تقليل استخدام اوراق الكتابة التي تستخرج من القطع الجائر للغابات .
بكل تاكيد الإنفاق على جودة التعليم والصحة، أمر في غاية الأهمية، لأنه للاسف كما نتابع مستوى الطلاب الروس لم يعد مثل السابق، وحتى إلمام الطالب الروسي باللغات الأجنبية محدود للغاية، وهذا يقلل من فرص روسيا للعودة على الساحة الدولية بقوة، لأنه يبعدها عن المنافسة – لأنه شئنا ام ابينا لا زالت لغة البحث العلمي، ومحركات البحث المعلوماتية، ولغة الإقتصاد والبنوك هي اللغة الإنجليزية، فليس عيبا ان نتعلم الإنجليزية، حتى يصبح لدينا البديل المكافىء والمنافس في كافة العلوم على المستوى الدولي، ولهذا الشراكة مع الدول الكبرى، في هذا المجال، امر أيضا مهم للغاية على الأقل لنقيم أنفسنا.
بالنسبة للجانب السياسي:
جاءت استقالة رئيس الوزراء ميدفيديف وحكومته متأخرة، ولكن مرضية للجماهير الروسية الغير راضية عن آداء هذه الحكومة، والتي توقعت استبعادها منذ انتخاب بوتين للمرة الرابعة في 2018، ولكن ان تأتي متأخراً خيرا من ألا تأتي على الإطلاق، تلك الحكومة التي كانت سببا في إستياء الكثير من الشباب والطبقة المتوسطة، الأمر الذي تجسد في مظاهرات الصيف الماضي في قلب موسكو، وكان هذا رد فعل طبيعي لسوء آداء هذه الحكومة والتي لم تكترث بزادة الأسعار وتدني مستوى الخدمات وبعدها عن دورها الرقابي ومحاربة الفساد ربما بتعيين رئيس وزراء جديد من خلفية مالية قوية كما سمعنا قد يضبط الآداء عن الحكومة السابقة.
أيضا تعديل الفترات الرئاسية مرة أخرى في الدستور الروسي إلى فترتين جاء قرار صائب، وهدأ من روع الشعب الروسي الذي يتطلع لرؤية وجوه رئاسية جديدة تنعش الجوانب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والقضائية التي يهتم بها الشعب الروسي، وخصوصا الجيل الجديد، حتى يهتم ويشارك بشكل أكبر في المستقبل.
أتفق تماما مع ضوابط وأسس اختيار رئيس الدولة الروسية نظرا للظروف المحيطة بروسيا واجواء عدم الوفاق مع الولايات المتحدة وبريطانيا على طول الخط، لأنه بالفعل لا بد من وجود رئيس وطني قوي محترف ذو خبرة في حل المشكلات الداخلية والخارجية، يمكنه قيادة دفة إحدى القوى الكبرى في العالم، دولة هي الأكبر من حيث المساحة والتعددية الإثنية.
كانت هذه أهم النقاط التي تحدث عنها الرئيس بوتين في خطابه امس مع اقتراحات وحلول لتطبيق هذه النقاط بسلاسة.