لبنان ومعركة طرد الوجود الأميركي
غالب قنديل
تنطلق موجة تعليقات ومواقف بعد كل خطاب لقائد المقاومة يتناول فيه القضايا الإقليمية تظهر عبرها معالم البرمجة الأميركية في حشد العملاء المحليين ليرددوا في كل مكان ومن جميع المنابر الإعلامية والسياسية المتاحة عبارات التحريض والاستنكار.
تتردد دائما نغمة إن “السيد يورط لبنان لمصلحة إيران وسورية” وبكل صفاقة لم يتردد الطابور السياسي الإعلامي نفسه في بث تلك المعزوفة قبل عقود عندما كانت المقاومة تصارع الاحتلال الصهيوني فكانوا يزعمون ان معاركها هي لصالح مقايضة سورية مع العدو لاسترجاع الجولان او انها تتلاقى بتوقيتها مع سعي إيراني للضغط التفاوضي وجاء التحرير قطافا لتضحيات المقاومة وجمهورها ودماء شهدائها كما جاءت تحولات سياسية متلاحقة في العلاقات الأميركية الإيرانية وفي جميع فصولها لم تقبل طهران إدخال لبنان في سلة المفاوضات.
على الرغم من إنجاز التحرير واتضاح صورة المقاومة النقية كقوة تحرير وطنية ورغم إنجازها الكبير المتمثل في بناء قوة دفاعية رادعة تحمي لبنان وتشل العدو ما يزال ذلك المنطق سائدا بتوجيه من الغرف السوداء وهو مستنسخ عن التعامل الأميركي الصهيوني مع المقاومة منذ انطلاقها بتصويرها كجالية تابعة للخارج وليست قوة شعبية متجذرة في الأرض التي تدافع عنها وتحميها كما برهنت التجربة المديدة بجميع فصولها التي اوضحت ان المقاومة هي التي تردع العدوان وتحمي السلم الأهلي وقيادتها توظف جميع تحالفاتها وشراكاتها داخل المحور في خدمة هذا التوجه المبني على مصالح لبنان العليا شعبا وأرضا ومؤسسات اقتصاديا وسياسيا ووطنيا.
السؤال المطروح مؤخرا هو ما علاقة لبنان بمعركة طرد الوجود العسكري الأميركي في المنطقة وهل إن المصالح اللبنانية العليا التي تحرص عليها المقاومة تحتم علينا الانخراط في معركة محور المقاومة لاقتلاع القواد والأساطيل من المحيط الإقليمي المسمى بالشرق الأوسط ؟
أولا إن القوة الأميركية القاهرة تفرض على لبنان عقوبات اقتصادية ومالية قادته إلى الاختناق ووضعته على شفير انهيار كبير ولا مجال لإنهاض دورة الاقتصاد الوطني من غير تحريرها من قبضة الهيمنة الأميركية ووصاية ادواتها المختلفة كصندوق النقد الدولي ومن قيود منتدى الدائنين في باريس التي جاهر جيفري فيلتمان بها مؤخرا وفيها انتقاص من السيادة وتدخل يعاكس المصالح اللبنانية .
ثانيا تماس الولايات المتحدة ضغوطا مكثفة على لبنان لتعطيل جميع محاولات تسهيل عودة النازحين السوريين إلى وطنهم بينما تسلم سائر الجهات اللبنانية بحقيقة تضخم الأعباء التي يمثلها النزوح وبكونها من عوامل استنزاف المالية العامة رغم الوجوه الاقتصادية الإيجابية التي ينطوي عليها دور الأيدي العاملة السورية في الاقتصاد والودائع الصرفية السورية الضخمة التي حجزت بتعليمات أميركية.
ثالثا يعترض الضغط السياسي الأميركي وبالتهديدات أي تطور محتمل في العلاقات اللبنانية السورية على الرغم من تلهف معظم الساسة ورجال الأعمال اللبنانيين إلى دخول السوق السورية وحجز مقاعد لهم في ورشة إعمار سورية .
رابعا يعطل الاحتلال الأميركي والضغوط السياسية الأميركية فتح الطرق التجارية إلى العراق وهو الشريك الهم للبنان منذ ما يزيد السبعين عاما في مجالات التسويق الصناعي والزراعي والسياحة والتعليم والخدمات الطبية وهو ما يعني حرمان لبنان من فرص ثمينة ومجزية.
خامسا تمارس الولايات المتحدة بقوة حضورها في المنطقة ضغطا مكثفا على السلطات اللبنانية لإجبارها على تقديم تنازلات سيادية عن حقوق لبنان البحرية لمصلحة العدو الصهيوني وتحت عناوين الوساطة بين بيروت وتل أبيب حمل الموفدون الأميركيون من صهاينة الإدارة شوطا مرفوضة إلى الجانب اللبناني ولم يملوا اويكلوا.
سادسا التدخل الأميركي في منع تنويع مصادر تسليح الجيش اللبناني يفقأ العيون بينما يحظر الغرب الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة بجميع حكوماته حصول الجيش اللبناني على أي سلاح او عتاد يعزز قدراته الدفاعية في وجه التهديد الصهيوني الدائم.
لكل هذه الاعتبارات يعني رحيل القوات الأميركية من الشرق رفع جبال ثقيلة من الضغط والعرقلة الأميركية التي تكبل القرار السيادي اللبناني ومن هنا فما يعلنه قائد المقاومة يخص جميع اللبنانيين لأنه يعني تحقيق الحرية والسيادة وتحصين القرار السيادي الوطني في جميع الشؤون الاقتصادية والسياسية والدفاعية والوطنية بل هو شرط لابد منه لإنقاذ لبنان.