نتنياهو… نعم أم لا؟: ناحوم برنياع
ذات مرة، حين كانت السفن تعلق في عاصفة في بحر، درج القبطان على أن يلقي قبل كل شيء بالاثاث. فلعل السفينة تستقر فوق الامواج وليس تحتها ولعل أرباب البحر ترضى. وعشية الانتخابات في 2015 درج قادة القائمتين الكبريين، بنيامين نتنياهو واسحق هرتسوغ على التصرف مثل ذاك القبطان. فقد باع نتنياهو كل ما وجده على الرفوف: المالية لكحلون، الدفاع لبينيت، خطاب بار ايلان لمصوتي اليمين. وسار هرتسوغ امس في اعقابه، في بيان اللحظة الاخيرة عن الغاء اتفاق التداول مع تسيبي لفني.
هناك الكثير من القواسم المشتركة في سلوك الرجلين. بداية وقبل كل شيء، الهلع. ولعل الفزع هي الكلمة الادق. وثانيا، الاحبولة. كل من يشارك في السياسة يعرف بانه لا يوجد أي معنى للوعود التي قطعها نتنياهو: فهي مكتوبة على الجليد في يوم قائظ. كل من يشارك في السياسة، بمن فيهم لفني نفسها، يعرف بان ليس لاتفاق التداول بين هرتسوغ ولفني أي فرصة لان يطبق عمليا. وفي افضل الاحوال كان مجرد امنية، خيال.
في الايام الاخيرة مورست على هرتسوغ ولفني ضغوط هائلة. وكانت الحجة هي ان الغاء التداول سيضيف للعمل مقعدين ـ ثلاثة مقاعد، ويخلق الفجوة التي يتمناها رجاله. كما طرحت ادعاءات مضادة. اما أمس فأخذوا في المعسكر الصهيوني الانطباع بان الفجوة تقلصت. وافاد مدير حملة المعسكر الصهيوني روبين ادلر هرتسوغ ولفني بالمعطيات. وامتنع عن الاعراب عن الرأي ولكن المسدس كان على الطاولة.
رفع هرتسوغ الهاتف للفني. وكررت على مسمعه جملة قالتها في مقابلة في كفار ساسا: لن تضع اتفاق التداول عائقا امام المفاوضات الائتلافية. فنقل النبأ إلى الإعلام، وفهمت القناة 2 ما فهمت، وخرجت الامور عن السيطرة. وما ان بث النبأ حتى كان هرتسوغ ملزما بان يقف خلفه، سواء شاء أم أبى، وكذا لفني، بتأخير ساعة.
تستشرف موافقة لفني المستقبل. فاذا وصل حزب العمل اليوم إلى انجاز مفاجيء في صندوق الاقتراع، فيمكنها ان تتشرف بمساهمتها في الانجاز. واذا كانت النتيجة مخيبة للامال فأحد لن يلقي عليها باللوم. هكذا في الليكود ايضا: السلوك الطائع للوزراء يفسر فقط بالخوف من ان يتهموا بالهزيمة. ما يفكرون به عن الحملة لن نعرفه الا بعد احصاء الاصوات.
احدى القواعد الحديدية في الحملات السياسية هي انه محظور اجراء التفافات حادة. فالحراكات في اللحظة الاخيرة تفسر بانها فزع. وفيها خطر. أما نتنياهو وهرتسوغ فتصرفا هذه المرة بشكل مختلف. والان كل واحد منهما يتهم الاخر بالفزع، ولعلهما الاثنين محقان.
في كل حال، ليست دراما أمس سوى قنبلة دخان وليس قنبلة ذرية. بعض المترددين الذين رأوا في التغيير فعل ضعف كفيلون بان يخرجوا. آخرون، ممن مالوا للتصويت بسبب عدائهم للفني، كفيلون بالتسلل إلى الداخل. وبقوة، عندما سيقف الناخب خلف الستار سيجد بطاقة «أ م ت» التي سجل اسم لفني عليها. ومشكوك أن يؤثر الغاء التداول على اختياره.
تصل هذه الانتخابات إلى لحظة الحسم في وضع من انعدام اليقين. فالناخب لا يعرف ماذا سيفعل بصوته، هل سيكون جزءا من المادة التي ستبنى منها حكومة وحدة، هل سيساهم في اقامة حكومة ضيقة، هل سيستثمر صوته في المعارضة ام ربما سيضيع هباء على حزب لن يجتاز نسبة الحسم. في كل تصويت يوجد هذه المرة عنصر من المراهنة. ظاهرتان هما اللتان ولدتا انعدام اليقين هذه المرة: رفع نسبة الحسم والمكان المركزي الذي احتله نتنياهو في حملة الانتخابات.
لقد حطم رفع نسبة الحسم مسلمات في الخريطة السياسية. اسرائيل بيتنا، الذي تعرض لضربة شديدة بسبب التحقيقات وبسبب هرب الجيل الثاني من مهاجري روسيا، يقف قليلا فوق نسبة الحسم. في مثل هذا الحزب توجد أهمية كبيرة ليوم الانتخابات. على احد ما أن ينقل المهاجرين العجائز إلى صناديق الاقتراع، على احد ما أن يحرص على أن يصوتوا. من أدار الحزب بنجاح كبير في الماضي كانت باينا كيرشنباوم والمدير عام دافيد غودوبسكي. وقد تعطلا الاثنان بسبب التحقيق. ولشدة المفارقة، فان نسبة التصويت العالية لدى العرب، والتي سترفع عدد الاصوات اللازمة للحصول على مقعد، كفيلة بان تكون الضربة القاضية لحزب ليبرمان.
ميرتس هو الاخر ليس بعيدا عن الخط الاحمر. هذا ما يحصل لهذا الحزب بشكل عام عندما يأتي العمل، الحزب الشقيق الاكبر إلى الانتخابات من المعارضة. وحملة الصرخة التي ادارها ميرتس في الاسابيع الاخيرة لم تكن مختلفة في طبيعتها عن حملة نتنياهو في الايام الاخيرة. فقد اعادت له على ما يبدو الناخبين الذين تساقطوا من المعسكر الصهيوني. والسؤال هو هل هذا سيكفي وهل في نسبة حسم كهذه سيتمكن ميرتس من الوجود في المستقبل.
القائمة الثالثة القريبة من نسبة الحسم هي ياحد بقيادة ايلي يشاي، تحالف الكهنيين والاصوليين القوميين من البيت اليهودي. وعلى فرض أن تجتاز نسبة الحسم السؤال هو هل ستتفكك غداة الانتخابات. سؤال مشابه يحوم فوق القائمة المشتركة للاحزاب العربية. معظم جمهورها يريدها ان تبقى موحدة، وفي اطار دائرة التأثير. اما الرواسب الشخصية والايديولوجية فتشد في الاتجاهات الاخرى.
لقد سبق أن قيل ان هذه الانتخابات دارت حول شخص واحد: نتنياهو. فقد خرج الليكود إلى حملة كلها نتنياهو. المعسكر الصهيوني هو الاخر خرج إلى حملة كلها نتنياهو. فمع هرتسوغ ولفني وحدهما ما كانوا سيصلون بعيدا. لبيد هاجمه كل يوم. بينيت بنى حملته على عدم ثقة ناخبيه بنتنياهو، وبعد ذلك تبنى نتنياه وأمس هاجمه مرة اخرى. جمعيات قامت كي تدعو لاستبدال نتنياهو. تبرعات ضخت، من اسرائيل ولشدة الاسف من الخارج ايضا. والارتباط الاستثنائي بين تسيبي وحزب العمل قام فقط بسبب شدة المشاعر تجاه نتنياهو. والتنازل عن التداول اتيح هو ايضا لان الانتصار على نتنياهو كان أهم من كل نزعة شخصية. نادر أن يكون رئيس وزراء يثير مشاعر الضغينة بمثل هذه الحجوم.
يمكن القول ان نتنياهو كسب هذه الضغينة باستقامة. كانت هنا على ما يبدو، جملة من الاسباب، لا تستقر على محور اليمين ـ اليسار. فقد اعتبر نتنياهو كمن يعيش في فقاعة. حياته الحقيقية ليست حياتنا الحقيقية. وكل اسرائيلي اجرى حساب النفس الشخصي لديه. نتنياه يقول اننا نبني عشرات الاف الشقق: فاين شقتي، نتنياهو يقول اننا انتصرنا على حماس في الجرف الصامد: وأنا ارى حماس من نافذة بيتي في ناحل عوز. نتنياهو يقول انه ضحية مؤامرة عالمية: فأين هذه المؤامرة.
أنا ايضا استمع لما يقوله نتنياهو عن مهنتي، عن مكان عملي، لا يمكنني الا أن استخلص شيئا ما غير طيب حصل في العلاقة بينه وبين الواقع. ومثل بعض من سابقيه، وصل إلى النقطة التي تصبح فيها الحسابات الشخصية، الكراهيات، المخاوف هي الاساس. هذا لا يبشر بالخير قبيل ولاية اخرى. اذا كان هذا هو ما سيملي نتائج الانتخابات.
هذه المرة، كما يبدو، الانتخاب هو شخصي. نتنياهو، نعم أم لا.
يديعوت