تقارير ووثائق

انصار ترامب يهددون بحرب اهلية لحمايته من العزل د.منذر سليمان

         تجدد التهديد بنشوب حرب أهلية في الآونة الأخيرة لقطع الطريق على الحزب الديموقراطي المضي “دستورياً” بالمحاكمة على طريق عزل الرئيس ترامب؛ والسلطات الأمنية ومراكز القرار السياسي تنظر للمسألة بجدية عالية لتوفر ظروفها وآلياتها ووفرة السلاح وقرار البدء بها من قبل جزء لا بأس به من مؤيدي الرئيس ترامب.

 

         المحرض الأبرز لاندلاع حرب أهلية ليس سوى الرئيس ترامب الذي “غرد” منذراً بها، 29 أيلول / سبتمبر الماضي، قبيل بدء جلسات مجلس النواب بالقول “.. في حال نجح الديموقراطيون بعزل الرئيس .. سنشهد اندلاع حرب أهلية من شأنها تقسيم بلادنا لن تستطيع التغلب عليها.”

         مجموعة منظمة من مؤيدي الرئيس تدعى حراس القسم، تضم نحو 24 ألف عنصر، أبلغت أعضاءها ذات اليوم بتوجه الرئيس ترامب وما ينبغي عليهم الإعداد له “نحن على أعتاب حرب أهلية حامية الوطيس .. تيار اليمين لديه صفر ثقة أو احترام لأي فعل يصدر عن اليسار، اللاشرعي.”

         نائبة وزير العدل السابقة لشؤون الأمن القومي، ماري ماكورد، حذرت من نزعة الاستهتار وتهميش اليمين المسلح إذ “سيكون ضرباً من الجنون الاستهتار وبخس تقدير قوة وفعالية تصريحات ترامب بمطالبته الميليشيات المارقة التأهب للعمل، خصوصاً إن اتخذ قرار بعزله.”

         وأضافت ماكورد أن ميليشيا حراس القسم، تضم بين صفوفها جنوداً سابقين مجربين في ساحات القتال وأفراد شرطة، ذكرت عناصرها حديثاً بساعة الصفر “.. كل ما ينتظرنا هو إشارة من الرئيس، وسنلبي نداءه،” واستعراضها بالفيديو لسلاحها الحربي المفضل، إيه آر 15 “المصون دستوريا وفق مادة التعديل الثانية.”

عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري، ستيف كينغ، أنذر معارضي الرئيس ترامب بأن مخزون الأسلحة المتوفرة في الولايات “الحمراء،” التي تميل لتأييد الحزب الجمهوري بغالبية مريحة، تشمل “8 تريليون طلقة؛” أي 8،000،000،000،000 طلقة.

في سياق انتشار الأسلحة، صدر تقرير عن الوكالة الفيدرالية لتنظيم “الكحول والتبغ والاسلحة الفردية،” جاء فيه أن من يملكه الشعب الأميركي من “اسلحة فردية  تصل لـ 423 قطعة، ومليارات مخازن الذخيرة .. تشمل 17.7 مليون بندقية آلية حديثة من طراز إيه آر 15 وكلاشينكوف 47″ محذرة صناع القرار بأن تلك الترسانة تشكل “خطراً جاداً” على الأجهزة الأمنية وسلامة الشعب الأميركي.

تلقى التيار المحافظ والمتشبث بحمل السلاح هزيمة صافية في ولاية فرجينيا مؤخرا، والتي كانت لوقت قريب أحد أركان أجندته الموثوقة، بفوز شخصية ديموقراطية لمنصب حاكم الولاية، يسانده مجلس تشريعي يسيطر عليه حزبه.

التركيبة السياسية الجديدة في الولاية تنظر في استصدار قانون يحد من اقتناء السلاح الفردي ونوعيته، بخلاف السياقات السابقة؛ في تحدي ما يقرب من 90% من مواطني الولاية الذين يتسلحون بنص مادة التعديل الدستوري الثانية لصون الحق في التسلح.

في ظل الصراع الحاد الجاري بين الفريقين حول اقتناء السلاح، تبنت نحو 95 مقاطعة وبلدية في عموم الولايات المتحدة تشريعات جديدة لحماية “حق اقتناء السلاح الفردي” وعدم فرض قيود عليه.

المستشار السابق للرئيس للشؤون الاستراتيجية، ستيف بانون، أنذر من جانبه كل من يهمه الأمر بأن “عام 2019 سيثبت أنه الأشد قسوة في التاريخ السياسي الأميركي منذ الحرب الأهلية،” في سياق ترتيبات مجلس النواب لعقد جلسات استماع لمحاكمة وعزل الرئيس (مقابلة متلفزة مع شبكة سي بي أس، 24 شباط الماضي).

مركز الأبحاث والمنظمة الأميركية الأبرز للتدخل “الديموقراطي” في شؤون الدول الأخرى بيت الحرية حذرت صناع القرار من أن “عام 2018 شهد تآكلاً متسارعاً لمعايير الديموقراطية الأميركية داخل بلادنا أكثر من أي زمن مضى على الإطلاق.”

الرئيس ترامب وافق على نبوءة وتحليل بيت الحرية، الممول من الحكومة الأميركية منذ عام 1941، لحسابات مغايرة في آب 2017، على خلفية الاشتباك الدموي بدوافع عنصرية في مدينة شارلوتسفيل، قائلاً “من المحزن مشاهدة تاريخ وحضارة بلادنا العظيمة وهي تتعرض للتمزق..”

تعززت احتمالات اندلاع صدامات مسلحة، حرب أهلية باردة، في الأيام المعدودة الماضية عقب رسالة الرئيس ترامب المطولة والغاضبة لرئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، عشية التصويت على لائحة اتهام ضده، يقر فيها بمحاكمته لكنه لن يستسلم بسهولة، مؤكداً أن “مسار المحاكمة والعزل” سيخدمه في نهاية المطاف؛ وهي نتيجة تجد أصداء واسعة لعدم توفر أعداد الأصوات الضرورية لعزله في مجلس الشيوخ.

النائب الجمهوري عن ولاية تكساس، لووي غومرت، حذر خلال مداخلته في مجلس النواب للتصويت على القرار من نشوب “حرب أهلية محتملة .. التجارب التاريخية تشير إلى أن الأسلحة تدخل ساحة المعركة في الشوط الأخير من حرب أهلية.”

آخرون لفتوا الانتباه إلى تجذر “حركات انفصالية منظمة في بعض الولايات مثل كاليفورنيا وتكساس وماريلاند وكولورادو.”

الجمعية الوطنية للدراجات النارية صدى العاصفة، المنتشرة في طول وعرض البلاد وتضم نحو 300،000 عضو، أعربت عن جهوزيتها لدخول جماعي منظم للعاصمة واشنطن “لحماية ترامب” من تداعيات قرار العزل. كما أن التجهيزات للتحرك بين صفوف تيار المسيحيين الانجيليين في حالة متقدمة، يغذيه وعاظ الكنائس في معظم الولايات الجنوبية

في معسكر الرئيس ترامب، شن مؤيدوه وحملة انتخابه المقبلة حملة دعائية مكثفة ضد الحزب الديموقراطي وحصدوا تبرعات إضافية بعشرات ملايين الدولارات بعد تبني شعار “التصويت المسبق – صندوق الدفاع  ضد العزل.”

المرحلة أو الأيام المقبلة

من أبرز نتائج قرار مجلس النواب لصالح ترامب أن رئيسة المجلس استنفرت آليات الحزب الديموقراطي الضخمة للحيلولة دون الوصول لنتيجة تصويت نهائية “محصورة بتأييد حزب بمفرده؛” وخابت الآمال بإقناع أي ممثل عن الحزب الجمهوري للتصويت ضد الرئيس، الأمر الذي كان سيقوي صلاحية القرار أسوة بقرار شبيه مدعوم من الحزبين لمحاكمة الرئيس الأسبق بيل كلينتون. بل خسر الحزب الديموقراطي أحد أعضائه بنقل ولائه للخصم الجمهوري والتصويت ضد القرار.

المواد الدستورية الخاصة بقرار العزل تنص على مبادرة مجلس النواب تسليم القرار النهائي لمجلس الشيوخ، المكلف بإعداد ترتيبات المحاكمة العلنية برئاسة رئيس المحكمة العليا وعضوية كافة أعضاء المجلس.

في اللحظات الأخيرة وعقب نجاح التصويت أعلنت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، أنها ستحتفظ بالقرار لحين “الحصول على ضمانات من رئيس مجلس الشيوخ بعدالة سير المحاكمة.”

ما انطوى على تلك الخطوة “التكتيكية” أن قرار مجلس النواب يفقد زخمه إن بقي حبيس أدراج المجلس، وعملياً لن يسجل في البيانات الرسمية صدور قرار ضد الرئيس ترامب، خلافاً لرغبة ومطلب ممثلي الحزب الديموقراطي.

وعليه، ان استمرت حالة التجاذب بين رئاستي المجلسين دون أفق لحل قريب، سيفقد القرار مفعوله ويصبح باستطاعة الرئيس ترامب الادعاء بأنه لم يتخذ قرار عزل ضده – وبعض المراقبين يعوّل على هذه الجزئية كمخرج يحفظ ماء وجه الطرفين والحيلولة دون الاشتباك اللفظي مجددا وربما طويلا، وإبعاد شبح مسار آخر ينذر بمثول مسؤولين كباراً في الأجهزة الأمنية ورأس الهرم السياسي السابق، الرئيس اوباما ونائبه جو بايدن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.

الرئيس ترامب، المتهم أمام المحكمة، من حقه طلب استدعاء أي كان يراه مناسبا للدفاع عن نفسه؛ وصرح مراراً بأنه ينوي استدعاء ومثول جو بايدن ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأسبق، جون برينان، والمدير الأسبق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، جيمس كومي؛ وآخرين.

من غير المتوقع أن يمضي صناع القرار السياسي في المؤسسة الحاكمة، بكافة أركانها السياسية والعسكرية والأمنية والاعلامية والمصرفية، عقد جلسات محاكمة تستوفي الشروط المطلوبة لخشيتها بل قلقها الحقيقي من الكشف عن مزيد من التورط في الفساد المالي والأمني والسياسي لن يتورع ترامب عن التشهير بهم، فرادا وجماعات، لإنقاذ نفسه وسمعته وإرثه السياسي.

مركز الدراسات الأميركية العربية – واشنطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى