بقلم غالب قنديل

مبادرة ذكية أربكت قوى الانقلاب

غالب قنديل

بنى المخططون الأميركيون والمرتبطون بهم حساباتهم على مبدأ تمسك الحلف الذي يضم حزب الله وحركة امل بعودة الرئيس سعد الحريري أو من ينتدبه من فريقه رئيسا للحكومة الجديدة بهدف قطع الطريق على المخاوف المتجددة من استثارة مناخ الفتنة المذهبية لمحاصرة المقاومة وحلفها السياسي.

 

اولا اصطدمت جميع المساعي الملحة باستجابة الحريري للضغوط الأميركية التي  أرغمته على الاستقالة وحاصرته بعد ذلك سياسيا بانقلاب حليفي الأمس حزبي القوات والتقدمي إلى تسويق وتبني السفير نواف سلام بالشراكة مع حزب الكتائب ومجموعات عديدة فاعلة في حراك ساحات بيروت.

بالمقابل كانت توقعات الأميركيين واعوانهم ترجح استعصاء محاولات استرجاع حرارة العلاقة بين المستقبل والتيار الوطني الحر الذي اعتبر نفسه مطعونا باستقالة الحريري المفاجئة وهكذا انطلق السعي لتعويم تكليف السفير نواف سلام ومن هنا كان المرجح في التقديرات ان يذهب الحلف السياسي الداعم للمقاومة إلى ترشيح شخصية من بين رموز قوى الثامن من آذار المعروفة وتوزعت التكهنات بين النواب عبد الرحيم مراد وأسامة سعد وفيصل كرامي أوفؤاد مخزومي.

وضعت على هذا الأساس خطة سياسية وإعلامية لتفعيل عاصفة غضب تضع مسؤولية الانهيار الاقتصادي على عاتق المقاومة وحلفائها وتواكب تصعيدا موعودا للعقوبات الأميركية مع التلويح بشمول رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي وكل من التيار الوطني الحر وحركة امل وعدد من الشخصيات والأحزاب السياسية الأخرى على توقيت التكليف المنتظر بأصوات الغالبية.

ثانيا في صدمة خارج التوقع جاءت المبادرة السياسية باختيار الوزير السابق الدكتور حسان دياب لتشكل مفاجأة  مهمة على عدة جبهات فهو شخصية ذات سمعة جيدة من مدينة بيروت معروف باعتداله السياسي وهواختصاصي مؤهل اكاديميا على مستوى رفيع بوصفه نائبا لرئيس الجامعة الأميركية مما يجعل تسميته فرصة لمخاطبة دوائر الحراك الفاعلة والقيادية التي تضم العديد من طلابه وزملائه لمد جسور حوار وتفاعل معهم واستشارتهم في العديد من الخطوات الحكومية المقبلة وربما إشراك بعضهم في التشكيلة الجديدة كما ان الرئيس المكلف مؤهل من هذا الموقع وبهذه الصفة لقيادة حكومة اختصاصيين وخبراء تخاطب الغرب وتتعامل مع شروطه وضغوطه مدعومة بعناصر القوة التي يتمسك بها الحلف الوطني العريض وأولها المقاومة.

حاولت الإمبراطورية الأميركية استثمار ركوب الانتفاضة الشعبية لفرض وصاية سياسية محكمة وإملاء شروط تمس حقوق لبنان السيادية في أرضه ومياهه لحساب العدو الصهيوني وقد شاء الرئيس دياب توجيه رسالة واضحة في عبارة مقتضبة حول التمسك بالحقوق والدفاع عن السيادة تضمنها بيان قبول التكليف وهي إشارة إلى خياره الوطني بلغة بسيطة ومباشرة.

ثالثا مع وصول الموفد الأميركي ديفيد هيل هناك رئيس حكومة مكلف جاهز للتفاوض والحوار بثوابت لبنانية سيادية وبموقف واضح وخلفه جبهة سياسية شريكة ومساندة يتقدمها الرئيسان ميشال عون ونبيه بري وهو البعيد عن لغة التحدي مع أي جهة كانت محليا وخارجيا.

عند تحدي التكليف سجل الحلف الوطني إنجازا سياسيا مهما وكسب بالنقاط على خطة الانقلاب الفاشل لكن ذلك لا يكفي للخروج من المأزق السياسي والاقتصادي والمالي فالمطلوب خطة عمل للانقاذ وبرنامج متكامل وقبل ذلك المطلوب بلورة تشكيلة حكومية قادرة على حمل البرنامج وتحويله إلى جدول تنفيذي لعملها ولقراراتها وذلك سيمهد له الرئيس المكلف كما تعهد بمشاورات موسعة تضم الكتل النيابية والأحزاب السياسية وتشمل التجمعات الحراكية في إطار العمل لبناء تفاهمات واسعة ما امكن حول برنامج العمل الحكومي وهو بذلك يفتح خطوط الحوار المعطل والممنوع منذ 17 تشرين الأول والسؤال المركزي هو هل استنفذ الأميركيون محاولاتهم ورهاناتهم بعد إسقاط مرشحهم لرئاسة الحكومة وهل باتوا جاهزين للعودة غلى المساكنة السياسية مع المقاومة وحلفائها داخل الحكومة اللبنانية ؟.

رابعا السفير ديفيد هيل نفسه هو الذي أبلغ تحالف 14 آذار منذ خمس سنوات  عشية إعلان حكومة الرئيس تمام سلام في شباط 2014 وبعد عشرة أشهر على التمسك بالفيتو ضد مشاركة حزب الله في الحكومة بضرورة التراجع وقبول التسوية الممكنة واتصل بالرئيس سعد الحريري الذي كان في الخارج فأصدر بيان ربط النزاع الشهير فهل يحمل هيل كلمة سر مشابهة ام في جعبته إشارة تصعيد وتهديدات جديدة؟ وهل يريد الأميركي تثبيت حصاده من ركوب الحراك من خلال الشراكة في الحكومة وتدشين الاستعداد للانتخابات المقبلة لاختراق البنى التقليدية بنخبه مسبقة الصنع ام سيورط حلفاءه بمنطق المعركة المفتوحة حتى النهاية رغم فشله الذريع في الجولة الأولى والأهم؟.

عندما سمى الحلف الوطني الرئيس المكلف قرر عدم السير بما يطلق عليه خصومه حكومة اللون الواحد وأراد مخاطبة جميع اللبنانيين بمن فيهم الأوساط الحراكية الليبرالية الصديقة للغرب بصيغة ممكنة للعمل الإنقاذي المشترك في وجه أخطار كبرى وعلى أساس التمسك بالسيادة والاستقلال والانطلاق من مصلحة لبنان وشعبه وهو اختار بذلك الطريق الأفضل والأقل كلفة على البلد.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى