كلفة الفراغ والانتظار الطويل
غالب قنديل
منذ استقالة الرئيس سعد الحريري وعزوفه عن تصريف الأعمال دخل البلد نفقا حافلا بالصعوبات وتسارع الانهيار الاقتصادي والمالي والنقدي وتقول اكثر التوقعات تفاؤلا إن عملية التعافي من الأزمة المتمادية سوف تقتضي سنوات شاقة وصعبة وتتطلب تكيفا كبيرا وجذريا في طرق العيش ونمط الحياة عند اللبنانيين الذي أغرقتهم تقاليد البذخ الاستهلاكي وتبديد اموال القروض منذ عام 2002 وتاهوا في حلقة الربى الحكومي فالتهم الدين العام مدخراتهم وتحويلات أبنائهم المهاجرين وظلوا يجددون السلطة السياسية التي ارتكبت جريمة موصوفة بحقهم من خلال نموذجها الاقتصادي الريعي التابع للهيمنة الأميركية وعبر لعبة التقاسم الطائفي للريوع وتجديد العصبيات والولاءات والانقسامات التي كلما توهم البعض تلاشيها ظهرت على خنادق الصراعات المحتدمة من فوق ومن تحت.
أولا ينبغي الانطلاق من حقيقة ان التعطيل المقصود لتصريف الأعمال هو فعل مدبر فاقم من وطأة المشاكل والتداعيات الكارثية للانهيار الحاصل في غياب الحد الأدنى من الضوابط القادرة على الحد من النتائج الخطيرة التي تضغط على عيش اللبنانيين اليومي.
يتناغم تعطيل تصريف الأعمال مع الضغوط الأميركية التي تستقوي بإطالة امد الفراغ السلطوي لتركيع البلد وفرض نموذج سلطوي تابع للهيمنة وقابل للتوجيه من سلطات الوصاية الأجنبية الجاهزة من صندوق النقد الدولي إلى هيئة سيدر التي باشر الفرنسيون بتكوينها لتتولى الإشراف على الشاردة والواردة مقابل جرعات الإنعاش المالي الموعودة والتي ستكون مضبوطة بقطارة تقابل شروطا سياسية مناقضة للسيادة الوطنية.
ثانيا يتوازى تخبط القوى السياسية في محاولة التفاهم على حكومة جديدة مع ركوب حراك الساحات وعجز قواه وامتناعها عن بلورة مبادرات من خارج التصميم على تعطيل المؤسسات حتى لو شاءت العمل لتلبية بعض المطالب المرفوعة منذ 17 تشرين الأول وتجدد محاولات قطع الطرقات وتقطيع اوصال البلد رغم كلفة عالية تكبدها الاقتصاد الوطني تخطت الثلاثة مليارات دولار حتى اليوم بإضرابات مفروضة وبإغلاق به تام لفترات طويلة وبحواجز قطاع الطرق وحوادث استدراج الدماء التي اوقعت العديد من الضحايا وعرضت السلم الأهلي للخطر.
ينتظر الحراكيون خطوات السلطة ليرفضوها ويدحرجوا مزيدا من الفوضى والتآكل تحت نداء إصنعوا حلولا تناسب شعاراتنا وهم غير موحدين أصلا حول شعار محدد وليس لديهم أي برنامج فعلي ويستعصي عليهم انتداب قيادة بسبب الخلافات والتباينات وليس كما تزعم الرواية فقط لسر في طرق العمل يختفي تحت طربوش الأوتوبوريين او في خطط فضلو وحزبه الأكاديمي وشبكاته غير الحكومية التي ترطن بالانكليزية الأميركية للدلالة على هويتها ومنبتها ورعاتها.
ثالثا ليس صحيحا ان ما هو متخذ من تدابير هو الخيار الأفضل فقد ترك رئيس الحكومة المستقيل المسرح لحزب المصارف في اتخاذ ما يناسبه من وسائل التعامل مع الكارثة بمعاونة حارس النظام المالي الذي “غفل” عن قرع جرس الإنذار قبل وقوع المصيبة الداهمة وهو القادرعلى اعتلامها مضمونا وتوقيتا بينما توسعت الدولرة على حساب النقد الوطني وتواصل جنون الأسعار واختفاء المواد الضرورية رغم دوريات وزارة الاقتصاد ومحاولاتها.
يبقى حاكم المصرف المركزي هو مدلل السفارات والعواصم الغربية ومطلق الصلاحية في كل اجتهاداته المتصلة بحركة الريوع المالية في بلد ادمنت نخبه الكسل الفكري والتبعية الثقافية كما أدمن معظم شعبه عدم الانتاج وتعيش على حساب كد المهاجرين من أبنائه واستسلم للمشيئة الاستعمارية بكل خنوع وخنق كل صيحات المقاومة والتحرر رغم النفاق السياسي الشائع شعبيا وحزبيا والتفاخر بامجاد وبطولات الجهة الوحيدة التي قدمت التضحيات الجليلة بينما انصرف سواها لمراكمة المغانم ويسألها المتذاكون مخرجا في حشرة الانهيار.
رابعا السعي إلى حكومة إنقاذ هو الهدف الذي يتمسك به الرئيس ميشال عون ومعه الحلف الوطني الداعم للمقاومة بجميع اطرافه وأحزابه ورموزه وفي الوقت الضروري لبلورة التفاهمات السياسية المنشودة ثمة حاجة لتحديد عناوين الإنقاذ في برنامج محدد يرد على الملفات الخطرة والمتفجرة الكثيرة وهذا يتطلب تفكيرا استثنائيا وتصرفا استثنائيا غير تقليدي.
المطلوب في التصدي لعبء الفراغ والاستنزاف تعبئة القوى والجهود بمضمون برنامج الخلاص الذي اقترحه قائد المقاومة واشتراط تصحيح جذري لمعادلات الشراكة في السلطة مع أي حكومة جديدة كاولوية يحل ترتيبها بعد الخطوات الطارئة والعاجلة في احتواء نتائج الانهيار تشريعيا وتنفيذيا لمنع الدولرة ولضبط الأسعار ومنع التلاعب ولبرمجة التكيف المالي والمصرفي مع الانهيار بصورة تحد من المخاطر والأضرار.
الانقاذ يستدعي حالة طواريء حكومية وتشريعية وإدارية شاملة والكسل السياسي لا يفيد سوى بمزيد من الانحدار إلى هاوية سحيقة ولابد من منع الدلع الذي كان قرين البطر السياسي في مواجهة عدو لا يرحم ولايدخر سبيلا لتكسير البلد العصي على الخضوع وهو يتقن الانقلاب والتحول في خياراته بما يناسب هيمنته ومصالح الكيان الصهيوني.