بقلم ناصر قنديل

مؤشرات جديدة في المشهد الدولي والإقليمي: ناصر قنديل

تستعدّ باريس لعقد اجتماع دولي برعاية فرنسية أمميّة مشتركة لدعم لبنان، مخصّصة لتأمين جرعات مالية سريعة، ونفي وجود شروط سياسية خاصة بتشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، منعاً للانهيار الذي بات الاعتراف الغربي جامعاً بوصفه كخطر ممنوع وليس كهدف مرتجى. والاجتماع يضمّ الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ومعها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والجامعة العربية بالإضافة إلى ألمانيا وإيطاليا، وبالتوازي تنعقد قمة رباعية روسية ألمانية فرنسية أوكرانية لوضع اللمسات النهائية على تفاهمات جديدة بين روسيا وأوكرانيا، يرجّح تتويجها بتبادل للأسرى، كما قال الرئيس الأوكراني المنتخب الذي يلتقي الرئيس الروسي للمرة الأولى، وتبدي فرنسا آمالاً بالنجاح في السير قدماً بتطبيق تفاهمات مينسك التي تجمع المشاركين في قمة النورماندي الخاصة بالأزمة الأوكرانية التي افتتحت باب التصعيد الغربي بوجه موسكو، وشهدت ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، رداً على التصعيد، وشكلت مع الحرب في سورية ثنائية الأمن القومي الروسي، وميمنة وميسرة الهجوم الغربي على روسيا، وتبدو وقد قاربت نهايتها في سورية وأوكرانيا لصالح تكريس دور المرجعية الروسية، مع وقائع محلية استقلالية وطنية تأقلم الغرب مع قبول الاعتراف بشرعيتها، سواء شرعية الدولة السورية أو شرعية ضمّ القرم إلى روسيا او شرعية الخصوصية في الأقاليم الشرقية لأوكرانيا.

 

يصل بالتزامن وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف إلى واشنطن بدعوة من نظيره الأميركي مايك بومبيو، ويلتقي لافروف في ختام زيارته الرئيس الأميركي دونالد ترامب. ومن المحتمل أن يتفق الجانبان على عقد قمة روسية أميركية في العام المقبل، وهو عام الانتخابات الرئاسية الأميركية، الذي يريده الرئيس الأميركي عام الإنجازات السلمية، وليس عاماً للتصعيد، وفيما يبدو خصوم واشنطن مستعدين لمنح الرئيس ترامب الهدوء الذي يحتاجه لا يبدو ترامب متعنتاً بشروط تعجيزيّة لتحقيق ذلك. ففي الملفين السوري والأوكراني تبدو الصورة أقرب للتسليم الأميركي للمرجعية الروسية رغم كل الكلام الأرعن للرئيس ترامب حول مبرّرات بقاء قواته في سورية وعلاقة ذلك بالنفط، أو كلامه عن أوكرانيا والعقوبات على روسيا، بحيث يبدو الملف الرئيسي للمفاوضات الروسية الأميركية بعيداً عن هذين الملفين وبعيداً أيضاً عن ملف فنزويلا التي تتواصل مفاوضات الحكومة والمعارضة فيها وتتقدّم. فالاهتمام الأميركي والروسي هو بالبحث عن مخرج محدود الكلفة المالية للعودة إلى التفاهمات الخاصة بالأسلحة الاستراتيجية بدلاً من سباق تسلح سيُضعف فرص نمو اقتصادات البلدين اللذين لا يعيشان وضع ثمانينيات القرن الماضي عندما كانت واشنطن في بحبوحة وموسكو في حال شحّ في الموارد.

– في الإقليم تتبلور مشاهد مشابهة على الجبهة الرئيسية للتوتر. فالعلاقات السعودية الإيرانية تتجه نحو التفاوض المعلن عبر منصة مؤتمر الخليج الذي دعت إليه عُمان، والذي يتوقع توسّعه ليضم تحت مظلة الأمم المتحدة بالإضافة إلى إيران وجوارها الخليجي، الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بينما يتحدث السعوديون علناً بقرب إنجاز تهدئة في اليمن تتحوّل إلى تسوية، وتنشر وثائق مسقط للتفاهمات الخاصة باليمن وتظهر فرصاً حقيقية للتوافق، بعدما تثبت موقع أنصار الله ميدانياً كلاعب إقليمي حاسم، وصار الأمن السعودي مرتبطاً بوقف حرب اليمن، وتشكل المساعي الإماراتية نحو إيران وسورية تعبيراً عما تستعد له السعودية. بينما تستأنف المحادثات الأوروبية الإيرانية حول الاتفاق النووي وسبل إنعاشه وتتقدم، رغم الخطاب الإيراني الذي يزداد قوة وطلباً للمزيد.

–على  خلفية هذا المناخ المعاكس لمناخ ما قبل شهرين، تدور أحداث لبنان والعراق، وقد بدأت هذه الأحداث بينما كان يجري التحضير لتفجير الوضع في إيران. وتبدو اليوم أضغاث أحلام. ففقدتا لأحداث في لبنان والعراق رغم أسبابها الوجيهة محلياً في البلدين، وظيفتها الدولية والإقليمية، لكنها خرجت عن السيطرة برفع السقوف ومارافقها عراقياً من تصعيد دموي، ومارافقها لبنانياً من تكسير لبيض التسويات، بهدف قلي عجّة المواجهة، وصارت السياسة ذريعة لتبرير الحاجة للوقت للنزول عن الشجرة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى