حسمت في إيران فبدأت التراجعات وعاد التفاوض بين فيلتمان وشينكر وفارنو… نصائح العقلانية: ناصر قنديل
– استثمر الأميركيون ومن ورائهم الغرب وأغلب حكام العرب مالاً وجمعيّات وتحالفات وإعلاماً ممولاً ومشغلاً من الثنائي الغربي العربي، لتهيئة مناخ التفجير المالي في لبنان عبر تجفيف مصادر التمويل التي كانت توفّرها منذ سنوات، وكانت تتيح بقاء منظومة الفساد المستحكم بالاقتصادين اللبناني والعراقي ممسكة بمقاليد القرار الاقتصادي، وهي غالباً من كنف المحور الغربي العربي نفسه، ولاحقاً في محاولة السيطرة على الحراك الشعبي في البلدين، لربط الخلاص المالي والاقتصادي والاجتماعي بتحييد قوى المقاومة عن المشهد السياسي، وتوفير ضمانات لأمن «إسرائيل» ولسيطرتها على سوق النفط والغاز على حساب لبنان، بالتحريض على سلاح قوى المقاومة، والزجّ بالقوى التابعة للمحور الغربي العربي التي تفوح منها روائح الفساد للتقدّم بصفتها من يُصغي لصوت الشعب، الذي جرى تلبيس حراكه شعارات وضعتها هذه القوى مبكراً، كشعار حكومة التكنوقراط الذي دعت إليه القوات اللبنانية قبل انطلاق الحراك الشعبي وتحوّل مطلباً رئيسياً للحراك يتبنّاه ثلاثي قوى الرابع عشر من آذار التي رعاها جيفري فيلتمان يوم كان سفيراً لواشنطن في بيروت، فتناغم كلام تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي مع دعوة القوات بعدما صارت شعار الحراك، وبعدما كانت من قبل مضمون النصيحة الفرنسية للرئيس سعد الحريري في مناقشات مؤتمر سيدر قبل شهور، والمطلوب عملياً حكومة لا يتمثل فيها حزب الله علناً.
– ظنّ جماعة فيلتمان أنهم يربحون وأن المعركة تصحيح لمسار معركتهم التي انتهت بالفشل في السيطرة على السلطة عام 2005 وتوّجت في 2008 باتفاق الدوحة وحصول قوى المقاومة على الثلث المعطل في الحكومات اللاحقة وصولاً لإمساكها بالأغلبية النيابية ونجاحها قبلها بإيصال العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. وافترضوا أن هناك مساراً لبنانياً منفصلاً في السياسات الأميركية عما يجري في المنطقة، ولم ينتبهوا لما انتبهت له قوى المقاومة من أن ما نشهده يسمّى عسكرياً واستراتيجياً خطة التقرّب من القلعة، والقلعة هي إيران. وعندما يصل الاختبار إلى إيران سيتقرّر على ضوء النتائج، حدود الدفع بالوضعين اللبناني والعراقي نحو المزيد من التصعيد، او الاكتفاء بإنجازات تكتيكية تحدث عنها فيلتمان في معرض تحدّثه أمام الكونغرس الأميركي عن لبنان، كمثل تشويه صورة حزب الله، والنيل من صورة التيار الوطني الحر والعهد، ليحذر من خطورة التصعيد المفتوح، وما سيؤدي إليه من تسليم لبنان لروسيا والصين. وكلام فيلتمان الذي نزل كالماء البارد على رؤوس أيتامه في لبنان، ووصل بنصائح فرنسية وأميركية وبريطانية نتجت عن اجتماع أول أمس في باريس المخصّص للبنان، والذي ضم مدير الشرق الأوسط في الخارجية الفرنسية السفير كريستوف فارنو، والمبعوث الفرنسي لمؤتمر سيدر السفير بيير دوكين والمسؤول عن الشرق الأوسط في قصر الرئاسة الفرنسية باتريك دوريل، ومساعد وزير الخارجية الأميركي للشرق الأوسط دافيد شينكر ومديرة الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية ستيفاني القاق، وخلص إلى ضرورة التخلّي عن شروط تتصل بتركيبة الحكومة المقبلة، بل ربط المساعدات باعتماد الإصلاحات التي أقرّت في مؤتمر سيدر من أي حكومة مقبلة أياً كان رئيسها وأياً كان أعضاؤها كما قال ديفيد شنكر لصحافيين أوروبيين وعرب ونشرته صحف عديدة باسم مصدر دبلوماسي أميركي رفيع. ومضمون النصائح التي وصلت إلى بيروت، أن العودة للتفاوض تحت عنوان القبول بتولي رئاسة حكومة يتمثل فيها حزب الله أفضل من ترك الحكومة لرئيس حليف لحزب الله، مع لفت النظر لأهمية الترسيم البحري للحدود، وضرورة الضغط للسير بمقترحات ديفيد ساترفيلد التي رفضها لبنان، والتي تضمن مصلحة «إسرائيل».
– ما الذي تغيّر يتساءلون اليوم في قوى 14 آذار، ومن أين هبطت الحكمة على فيلتمان وشينكر وفارنو، ولماذا الحديث عن الحاجة لخطة على المدى البعيد، كما قال فيلتمان، والسعي لإضعاف حلفاء حزب الله في الانتخابات المقبلة، ولماذا تذكّروا اليوم خطر روسيا والصين، ولماذا يكررون ما حذر منه ديفيد أغناسيوس الذي نقل نصائح النائب السابق وليد جنبلاط، في مقالته في الواشنطن بوست عشية الحراك وقبل بدئه، فيتكرّر ما حدث مع الجماعات المسلحة في سورية من خذلان أميركي غربي ستتبعه جماعتهم من العرب. ويصيب الخذلان هذه المرة مَن راهن عليهم من اللبنانيين، والجواب الذي لم ينتبهوا له، هو ببساطة أن الخطة فشلت في القلعة التي أنهت الاضطرابات، واستردت هيبة الدولة وإمساكها بالشرع، الذي خرج بملايينه يهتف مجدداً «الموت لأميركا».
– العقلانية الأميركية والعقلانية الفرنسية والعقلانية الحريرية، تعني العودة للتفاوض على حكومة بالتعاون مع رئيسي الجمهورية والمجلس النيابي والتيار الوطني الحر وحركة أمل وحزب الله، بشروط ليس بينها السقف العالي الذي فجّر التفاوض سابقاً. فماذا سيفعل الذين ذهبوا عالياً بسقوفهم في استعداء بيئة المقاومة والتطاول على رموزها؟