بين عوامل تسييس الانتفاضة الشعبية العفوية… وحلم 14 آذار المستحيل!: حسن حردان
قطع الطرقات، وطرح شعارات حكومة تكنوقراط والمطالبة برحيل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.. باتت هي السمة الطاغية على الانتفاضة الشعبية التي بدأت عفوية بمطالب اقتصادية اجتماعية ومحاربة الفساد واسترداد أموال وحقوق الدولة المنهوبة، فإذا بها بعد ٢٨ يوماً على اندلاع شرارتها، على اثر الإعلان عن قرار فرض ضريبة على الواتس أب ، لتتحوّل إلى انتفاضة مسيّسة تركب موجتها قوى ١٤ آذار، التي تعمل على استغلالها لإحداث انقلاب سياسي يعيد هيمنتها على السلطة السياسية ويتمّ إقصاء المقاومة عن السلطة التنفيذية وإضعاف حلفائها فيها استجابة وتنفيذاً للأمر الأميركي الذي أعلنه جهاراً وزير الخارجية مايك بومبيو بالقول انّ ما يحصل في العراق ولبنان هو لإخراج النفوذ الإيراني.. ويقصد بالطبع المقاومة التي تدعمها إيران الثورة ضدّ الاحتلال الصهيوني والإرهاب الأميركي.. وكلمة السرّ لتحقيق الانقلاب هي الضغط لتأليف حكومة تكنوقراط او حكومة حيادية غير سياسة.. ومعروف انّ حكومة من هذا النوع برئاسة الرئيس سعد الحريري او شخصية يسمّيها هو تعني الانقلاب على نتائح الانتخابات والمعادلة السياسية التي أنتجتها لمصلحة الفريق الوطني المعارض للهيمنة الأميركية..
واللافت انّ فريق ١٤ آذار بقيادة الحريري هو المسؤول الأول عن الأزمات المتفاقمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية والخدماتية وإشاعة الفساد ونهب المال العام على نحو غير مسبوق وإغراق لبنان في فخ المديونية والارتهان لصندوق النقد والبنك الدوليين والتبعية للسياسة الأميركية.. والانتفاضة الشعبية العفوية هي بالأصل ضدّ هذه السياسات التي أفقرت اللبنانيين ودمّرت إنتاجهم الوطني وولّدت البطالة وارتفاع مستوى المعيشة.. فكيف نجحت هذه القوى في ركوب موجة الانتفاضة الشعبية وجعل شعاراتها السياسية تحلّ وتغلب على المطالب الاقتصادية الاجتماعية للناس..
في هذا السياق يمكن رصد ثلاثة عوامل:
العامل الأول: انّ قوى ١٤ آذار كانت مستعدة ومنظمة ولديها قدرة التمويل، وسارعت بعد ٢٤ ساعة على اندلاع شرارة الانتفاضة إلى وضع خطة لركوب موجتها واستغلالها في خدمة أجنداتها المحلية والأميركية السعودية، وهذا العامل كان له تأثير كبير على الانتفاضة العفوية.. ذلك أنّ مَن يملك التنظيم والتمويل يستطيع أن يؤثر على الناس العفويين غير المنظمين.
العامل الثاني: الإعلام القوي الذي تملكه قوى ١٤ آذار والدول الإقليمية الداعمة لها والذي جرى إخراجه من أزماته المالية وتوفير المال له لا سيما للقنوات المحلية، مما مكنها من البث المباشر من كلّ المناطق على مدار الساعة ولعب دور توجيه المنتفضين وتوحيد خطابهم وشعاراتهم السياسية في الساحات والقائمة على عدم التمييز بين الفاسدين وغير الفاسدين وتوجيه أشخاص محدّدين للتحدث على وسائل الإعلام دون غيرهم لخلق مناخ عام يدعو الى رفض كلّ الحلول والحوار مع رئيس الجمهورية والمطالبة بإسقاط كلّ المؤسسات وتشكيل حكومة انتقالية غير سياسية لإجراء انتخابات مبكرة بقصد استغلال الانتفاضة الشعبية وغضب الناس لانتخاب برلمان جديد تحظى فيه بأغلبية نيابية تتيح لها السيطرة على السلطة التنفيذية والعودة إلى سياسة حصار المقاومة والمطالبة بنزع سلاحها لا سيما الصواريخ الدقيقه التي تقلق كيان العدو الصهيوني وتردع عدوانيته وأطماعه في مياه وثروات لبنان النفطية..
العامل الثالث: باستثناء أمين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله الذي أيّد مطالب الانتفاضة العفوية، ودعا الى الاستفادة منها للضغط على السلطة لفرض تنفيذ المطالب المحقة والإصلاحات السياسية ومحاربة الفساد وحذر من محاولات استغلالها، فإنّ قسماً كبيراً من القوى الوطنية والإعلام الوطني تعامل مع الانتفاضة العفوية في البداية على أنها مؤامرة حرّكتها واشنطن والأطراف الموالية لها لتنفيذ انقلاب ضدّ المقاومة..
من هنا فإنّ مسارعة قوى ١٤ آذار المرتبطة بالاميركي والسعودي الى استغلال الانتفاضة الشعبية العفوية التي فاجأت جميع الأحزاب والقوى السياسية، وطبعها بطابعها السياسي فإنه يعود إلى تقصير وأخطاء الفريق الوطني الذي لم يقرأ الانتفاضة ويدرك بعدها العفوي ويعمل على التنسيق لتبنّي مطالبها المحقة التي هي بالأصل مطالبه وقطع الطريق على استغلالها من قبل فريق ١٤ اذار.. ولهذا فإنّ الانتفاضة العفوية تحوّلت شيئاً فشيئاً الي انتفاضة مسيّسة يقودها هذا الفريق من خلال الشعارات السياسية التي باتت طاغية عليها… المطالبة بحكومة تكنوقراط ورحيل الرئيس عون واستخدام قطع الطرقات وتعطيل الاقتصاد والجامعات والمدارس.. في حين تكشف بوضوح انّ الزعم بعدم بوجود ممثلين او قيادة سرية تقف وراء إدارة أنشطة الانتفاضة ووضع الشعارات السياسية لها في معظم الساحات، وبالتالي رفض تشكيل وفد للحوار مع رئيس الجمهورية، سرعان ما انكشف زيفه، بمسارعة بعض من زعموا أنهم ممثلو الانتفاضة الى الاستجابة للقاء ممثل الرئيس الفرنسي الذي يزور بيروت…
على أنّ من أبرز العلامات على ركوب قوى ١٤ آذار موجة الانتفاضة واستغلالها رفع شعار المطالبة برحيل الرئيس عون وكان لافتاً انّ النائب مروان حمادة هو من فضح ذلك عندما قال: انّ ميشال عون ليس أغلى من الشيخ بشارة الخوري، بطل الاستقلال الأوّل الذي خضع لثورة ١٩٥٢ البيضاء .
لكن هذا الحلم الذي يراود قادة ١٤ آذار ومن ورائهم الأميركي والسعودي سيبقى حلماً مستحيل التحقق لانّ موازين القوى والظروف المحلية والإقليمية والدولية تبدّلت ولا تشبه تلك التي كانت قائمة عشية انقلاب ٢٠٠٥ اثر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري واستغلال دمائه لتنفيذ الانقلاب.. فالهيمنة الأميركية اليوم باتت في مرحلة انكسار وتراجع في المنطقة والعالم ومحور المقاومة والحلف الروسي بات أقوى بعد انتصاراته في سورية وصمود إيران الثورة والتحوّل في ميزان القوى في العراق وانتقال اليمن إلى أن يصبح جزءاً من جبهة المقاومة.. أما المقاومة في لبنان فانها باتت أكثر قوة وبأساً وقدرة مما كانت عليه عام ٢٠٠٦ وتستند الى تحالف قوي من القوى الوطنية في السلطة وخارجها والانتفاضة الشعبية في مضمونها إنما تصبّ في مصلحتها لأنها في مضمونها إنما هي ضدّ السياسات الريعية التي أنتجتها قوى ١٤ آذار المسؤولة عن إغراق لبنان بالأزمات وإفقار اللبنانيين وإخضاع لبنان للشروط والإملاءات الأميركية بحصار لبنان مالياً واقتصادياً ومنع لبنان من قبول الاستثمارات المساعدات الصينية والروسية والإيرانية الانفتاح على سورية لحلّ أزمات لبنان مما أدّى إلى تفاقم الأزمة…
(البناء)