مقالات مختارة

اختبار أخير لاتفاق نووي أميركي ـ إيراني

 

محمد بلوط

لم ينتظر الوفدان الأميركي، ولا الإيراني، وصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى فندق «بوريفاج» في لوزان السويسرية لكي تبدأ المفاوضات بين من حضروا، واستأنفوا البحث الذي توقف الأسبوع الماضي في مونترو، حيث تبددت أكثر الخلافات حول الشق التقني من البرنامج النووي الإيراني، فيما لا يزال التفاوض مستمراً حول الشق السياسي وعقدته آليات ومواعيد رفع العقوبات عن إيران.

وسبقت كيري إلى لوزان، تصريحاته التي تتضافر مع تصريحات إيرانية، وأخرى من البيت الأبيض، في الطريق نحو اتفاق سياسي تاريخي قريب. مهد كيري للقاء نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، الذي سبقه إلى لوزان، بعدم خيانة التفاؤل الذي أشاعته الجولات الماضية. وقال «نأمل أن يصبح الاتفاق ممكناً خلال ساعات»، مستعجلا التوصل إليه، ومشككاً في الفائدة من تمديد المفاوضات إلى نيسان أو أيار المقبلين «لأنه لا شيء سيتغير في نيسان وأيار» وما يمكن القيام به بعد شهرين، يمكن أيضا أن يتخذ الآن. وكان ظريف قد لاقاه على الأرضية نفسها، بالقول «إننا مستعدون للاتفاق، إذا كانت الإرادة السياسية متوفرة لإتمامه».

وقالت مصادر إيرانية إن «الشروط السياسية تكتمل للتوصل إلى اتفاق قريب» رغم التجاذب داخل الإدارة الأميركية حول التوصل إلى تسوية مع طهران، وان مواقف الكونغرس تشكل عنصراً ضاغطاً، بات يدفع بالمفاوضات نحو الاتفاق، و «لكننا غير معنيين بالسجال بين (الرئيس باراك) أوباما والكونغرس».

وخلال أربع ساعات من بعد الظهر، تناوب الأميركيون والإيرانيون، على تنقيح الشق التقني الذي شهد تقدماً كبيراً في ملفاته، فيما انتظر الملف السياسي لقاء ظريف بكيري ليلاً. وشهد فندق «البوريفاج»، لقاءات تقنية بين الخبراء الإيرانيين والأميركيين، واجتماعات سياسية تقنية منفصلة بين كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي، ومساعدة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان، فيما كان رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية علي أكبر صالحي يفاوض وزير الطاقة الأميركي ارنست مونيز.

وتطور التقاطع الأميركي – الإيراني في الساعات الأخيرة في ضم مجلس الأمن إلى المفاوضات، وتعزيز التوقعات بقرب التوصل إلى اتفاق، باستصدار قرار دولي يضمن لجميع الأطراف تنفيذ الشق السياسي من الاتفاق، والمصادقة عليه عند إبرامه. ويضع الأميركيون دوراً لمجلس الأمن في التسوية مع الإيرانيين، على مرحلتين، وهو يبرهن على وجود تصور متكامل وخطة طريق تلزم الدول المترددة في مجلس الأمن، مثل فرنسا، بالذهاب نحو الحل. وهكذا رد كبير موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدونوف على شكوك لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، بالقول «سيكون لمجلس الأمن الدولي دور في أي اتفاق مع إيران، وهو وحده من يمكنه إنهاء العقوبات»، فيما كانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية جين بساكي تقول إن «التصويت سيكون على المصادقة على إبرام الاتفاق» أما قرار رفع العقوبات «فسيكون موضع تصويت لاحق» لم يحدد موعده. وقد يكون توضيح الخارجية تراجعا أمام الكونغرس باعتبار أن الاقتراح الأول كان يتضمن قرارا يرفع العقوبات عن إيران وليس مشروعا من خطوتين. وتقاطع كلام الأميركيين، مع إشارة عراقجي، قبل دخوله الاجتماع مع شيرمان، إلى «ضرورة اعتماد قرار في مجلس الأمن لكي يكون ملزماً لجميع الأطراف».

ويبدو اللجوء إلى مجلس الأمن أقرب من المنتظر، بعد التقدم في الشق السياسي، لا سيما بعد التفاهم على سريان الاتفاق عشرة أعوام، بعد اقتراح أميركي أولي بجعلها تتراوح ما بين 15 إلى 20 سنة. وتقول مصادر إيرانية في لوزان إن المفاوض الإيراني يبدي مرونة كبيرة في مدة الاتفاق بعد تخفيضها، بعدما تحول الهدف من التفاوض أميركياً، من تجميد البرنامج إلى إبطائه، عبر مجموعة من القيود التقنية والتعاهدية، ووكالة الطاقة الدولية. ويقترح الإيرانيون مدة تمتد من سنة إلى تسع سنوات، وهو اقتراح يقترب إلى حد كبير من الاقتراح الأميركي.

ولا يزال النقاش يدور حول آليات رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، بعدما تم الاتفاق على رفعها. ويضع مفاوضو لوزان هدفاً، هذا الأسبوع، بالتوصل إلى تسوية بين مطالبة إيرانية، هي جوهر كل المفاوضات، برفع متزامن لكل العقوبات، فور إبرام الاتفاق، فيما كانت الأفكار الفرنسية والأميركية، في مطلع المفاوضات، تدعو إلى إبقائها عامين بعد توقيع الاتفاق، للتأكد من احترام طهران تعهداتها، كما طلب الفرنسيون.

وتأكيداً لمؤشرات على الذهاب نحو اتفاق قريب، ينزل ظريف، اجتماعا في بروكسل اليوم مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، ووزراء خارجية فرنسا وبريطانيا وألمانيا، قبل أن يعود بعد الظهر إلى مفاوضات مع كيري. والأرجح على ما تقوله مصادر إيرانية، أن يضع الوزير الإيراني الأوروبيين في أجواء الاتفاق المقبل، وشروط إبرامه، بعدما قدم جون كيري الأسبوع الماضي، تصوراً أولياً عنه، في باريس.

ويبدو الشق التقني في مرحلة متقدمة جداً من الانفراج، وهو انفراج يصيب نسبة التخصيب التي لا جدال على بقائها عند خمسة في المئة. كما يتيح الاتفاق على مستقبل المشروع الإيراني لإنتاج الطاقة في مفاعل «آراك»، الذي لم يعد إغلاقه مطروحا للنقاش، وهو إنجاز كبير للإيرانيين الذين كانوا يعولون عليه لتطوير إنتاج الطاقة. وكان الفرنسيون، خاصة، قد عرقلوا اتفاقاً أميركياً – إيرانياً محتملاً في جولات جنيف وفيينا، واشترطوا إغلاق المفاعل، قبل أن تصل المفاوضات الإيرانية – الأميركية إلى توافق على مراقبة البلوتونيوم، الذي ينتج من انشطار اليورانيوم، وهو يشكل أحد التساؤلات لدى وكالة الطاقة الدولية، لأنه يشكل قاعدة أي برنامج لإنتاج القنبلة النووية. وتضمن رقابة وكالة الطاقة الدولية على المفاعل متابعة إنتاج البلوتونيوم، وعدم استخدامه لأهداف عسكرية. ولضمان الإبقاء على المفاعل، الذي صرف الإيرانيون سنوات على إنشائه، والحصول على تكنولوجيا أكثر تقدماً من التخصيب بالطاردات المركزية، وافق الإيرانيون على إجراء تعديلات في قلب مفاعل «آراك»، تخفض قدرته الإنتاجية في الطاقة والبلوتونيوم، إلى واحد من ثمانية، من قدرته الأولية، وخــلال عشــرة أعوام هي المدة المقررة للاتفاق بين واشنطن وطهران.

ويقترب الإيرانيون والأميركيون من رقم مقبول في عدد الطاردات المركزية التي يمكن للإيرانيين تشغيلها خلال عشرة أعوام. ويملك الإيرانيون قاعدة تخصيب من 19 ألف طاردة مركزية مؤلفة من ثلاثة أجيال، مختلفة الصلابة والقدرة على الإنتاج، وموزعة في «فوردو» و «نتانز». ويعتمد برنامج التخصيب على تسعة آلاف طاردة مركزية لإنتاج يورانيوم بنسبة 5.3 في المئة. وطالب الأميركيون في الجولات الأولى بتحطيم البرنامج النووي تقريباً، والتزام طهران ألا تشغل أكثر من ثلاثة آلاف طاردة، ثم ارتفع العدد إلى 4500، ليقترب نسبياً من الرقم الحالي، وعرض 6500 طاردة للتشغيل.

وتوقف الأميركيون عن مطالبة طهران بعدم تطوير الطاردات، وإدخال أجيال جديدة في الخدمة، تخفف عدد الطاردات التي تتعرض للكسر، وترفع عائدها. وبات النقاش يدور حول عتبة الطاقة التي يسمح للإيرانيين باستهلاكها لإنتاج اليورانيوم المخصب، وهي عتبة لا ينبغي أن تتجاوز 150 ألف وحدة طاقية لتخصيب اليورانيوم، وهي كمية سيقرر الإيرانيون ما إذا كانت كافية أم لا، لتخصيب كميات يمكنها أن تضمن تشغيل مفاعلاتهم في العقد المقبل، وإبطاء عمليات تشغيل مفاعلات جديدة.

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى