كيري والواقعية السياسية عامر نعيم الياس
هل انتهت الأزمة في سورية؟ هل نحن أمام تفاوضٍ مباشر حول الحلول الممكنة للخروج من الأزمة السورية؟ هل رمت أميركا أوراقها في سورية؟ أم أننا أمام بداية تغيير ووضعٍ للأمور في سياقها الصحيح؟ هل عادت الواقعية السياسية للتحكم بوجهة السياسات الأميركية؟
أقرّ وزير الخارجية الأميركي جون كيري، أمس، بأنه سيكون على الولايات المتحدة أن تتفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد، لإنهاء الحرب في سورية التي تدخل عامها الخامس.
وقال كيري، في مقابلة مع قناة «سي بي أس»، إنّ «علينا أن نتفاوض في النهاية. كنا دائماً مستعدين للتفاوض في إطار مؤتمر جنيف 1»، زاعماً أنّ واشنطن تفعل كل ما في وسعها من أجل إحياء الجهود للتوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب.
وأضاف كيري، رداً على سؤال عن استعداده للتفاوض مع الأسد: «إذا كان الأسد مستعداً للدخول في مفاوضات جدية حول تنفيذ مخرجات جنيف 1، فبالطبع».
بطريقةٍ مثيرةٍ للسخرية والشفقة يرمي وزير الخارجية الأميركي الكرة في ملعب الأسد غير المستعد للتفاوض بحسب زعمه، بعد أن كرر خلال السنوات الأربع الماضية مراراً وتكراراً مطلب إدارته «بتنحي الأسد عن السلطة»، متهماً الرئيس السوري أكثر من مرة «بالانفصال عن الواقع» بينما اليوم يفاجئ الجميع، حتى النائب وليد جنبلاط بما عقد له لسانه فلجأ إلى الكتابة عبر تويتر.
تحسم واشنطن خياراتها في سورية متحدثةً عن النهايات، من دون تحديد موعدٍ محدد لها، ومن دون طرح جدول أعمال واضح للوصول إلى النهايات، متمسكةً بجنيف 1 خياراً للحل في سورية، مع أن الزمن أكل عليه وشرب. نهايات في سورية ليست على جدول الأعمال الأميركي الطارئ وليست مستعجلة، فالحرب على «داعش» في بداياتها، وبرنامج أوباما لتدريب «المعتدلين في سورية» لا يزال في بداياته، حتى أن صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية قالت في عددها الصادر أول من أمس «إنه لم يبدأ بعد»، لكن على رغم كل ما سبق ما الذي دفعَ وزير الخارجية الأميركي للحديث بهذا الوضوح وهذه المباشرة عن قبول التفاوض مع الأسد شخصياً وليس قبول التفاوض بوجود الأسد؟ لماذا اعترفت واشنطن اليوم بالأسد مرةً أخرى طرفاً رئيسياً محاوراً ومفاوضاً بعد أن نزعت عنه شرعيته في شكل قاطع وعلى لسان الرئيس أوباما شخصياً؟ هي مجموعة أسباب يمكن تلخيصها بالآتي:
عندما تريد أن تبرم اتفاقاً مع إيران ستضطر في النهاية للتفاوض الاسد.
عندما ينخرط حلف المقاومة في معركة مصيرية على كامل ا رض السورية ستضطر في النهاية للتفاوض مع الاسد.
عندما يندفع الجيش السوري والقوات الحليفة نحو حدود الجولان حتى النهاية حتى لو قامت الحرب مع إسرائيل ، في ظل مأزق تل أبيب الاستراتيجي، ستضطر في النهاية للتفاوض مع الاسد.
عندما تريد علانية محاربة داعش وتجعلها أولوية، وهي و النصرة تتمدد في سورية على حساب معتدليك الذين تلاشوا كجبهة ثوار سورية وحركة حزم، ستضطر في النهاية للتفاوض مع الاسد.
عندما يسيطر الحوثيون على اليمن الشمالي ويصبحوا على البحر الاحمر والمضائق، وتواجه كل هذه الأمور بالعجز، وعندما يكشف عبد الملك الحوثي عن اتصالات سعودية مع القيادة الجديدة لليمن، ستضطر في النهاية للتفاوض مع الاسد.
عندما يفتح طريق دمشق أمام الوفود الإسبانية والبلجيكية والالمانية والفرنسية، ويتم العمل في شكل مستقل على استئناف الدبلوماسية الامنية الاوروبية مع دمشق بغض النظر عن النفاق السياسي، ستضطر في النهاية للتعامل مع الاسد.
عندما يعود الحريري لاستئناف الحوار في لبنان مع حزب الله، ويكون عون وفرنجية من أبرز الاسماء المرشحة لرئاسة الجمهورية اللبنانية، فأنت تتفاوض من حيث لا تدري مع الاسد والخيار المعادي للغرب في لبنان والمتحالف مع سورية.
عندما يصبح تيار الواقعية السياسية أوروبياً وأميركياً يطالب بالتعاون مع الاسد والتخلي عن العمى السياسي للحكام، وعندما تتخلى باريس الإليزيه عن شرط تنحي الاسد قبل التفاوض مستعيضةً عنه كشرط في النهاية المأمولة للعملية التفاوضية، ستضطر في النهاية للتفاوض تحت إدارة الاسد.
عندما يجتمع العالم على الاسد 48 شهراً ولا يستطيع نزع الشرعية عن رئيس الجمهورية العربية السورية، ستضطر سيد كيري للتفاوض مع الاسد.
عندما يصبح الفيتو في خدمة الاسد، ستضطر في النهاية للتفاوض مع الاسد وتحت الضغط الذي نقلك أنت سيد كيري من المطالبة بالتنحي إلى الإقرار بضرورة وحتمية التفاوض مع رئيس الجمهورية العربية السورية في ذكرى ثورةٍ كنت أنت المستفيد الأكبر منها وما زلت حتى الآن.
الحرب الأميركية على سورية مستمرة، لكن العملية التفاوضية والحل الدبلوماسي وتحديد الأطراف المتحاورة بدأ بإعادة الاعتراف بالأسد طرفاً وعلى لسان وزير الخارجية الأميركية تحديداً، لنا في التفاوض مع إيران حول ملفها النووي مع استمرار محاولة استنزافها على امتداد جبهات الصراع في المنطقة مثالٌ، ولنا في ثقتنا بدبلوماسيتنا السورية مثال آخر، آخر ما حرر عنه موقف السيد كيري.
(البناء)