هل أطاح الحريري التسوية الرئاسية وانضم الى المعارضة؟: ميسم رزق
دخلَ لبنان مرحلة شديدة الخطورة مع إعلان سعد الحريري استقالته. أزمة سياسية ومالية غير مسبوقة تواجهها البلاد بعد انصياع رئيس الحكومة للضغوطات الخارجية والمشاركة في الإنقلاب على العهد في ظل ضبابية المشهد في الشارع
هل أطاح سعد الحريري بالتسوية السياسية الناظمة لاداء فريق السلطة منذ العام 2016؟ استقال هذه المرة من بيته وأرضه، لكن البعض تذكر معالم وجهه التي ظهرت عليه يومَ أُجبِر في الرياض على التنحي. خطوته ذكرت بخطوة الرئيس الراحل عمر كرامي حين استقال في أصعب أزمة سياسية ومالية مرت بها البلاد عام 2005. خطوة فاجأت وأربكت شركه في التسوية الرئيس ميشال عون (والوزير جبران باسيل ضمناً). اما حزب الله، فعلم بقرار الاستقالة، من الحريري، في الليلة السابقة لإعلانها. وأبلغ الحزب الرئيس نبيه بري بقرار الحريري، قبل أن يبلغ رئيس الحكومة رئيس المجلس بنيته الاستقالة أمس. أما حليفا الحريري، أي «القوات اللبنانية» والحزب الإشتراكي، فتصرفا على ان الاستقالة تصب في مصلحة مشروعهما السياسي.
منذُ ساعات الصباح الأولى ليوم أمس، كانت بيروت على وقع سجال بين مؤيد ومعارض لاستمرار قطع الطرقات، وسط انكفاء الجيش والقوى الامنية عن القيام بدورها، لكن النقاش السياسي كان يجري في وقت سابق، قبل ان تنتشر المعلومات عن نية الحريري بالاستقالة. ولم يتأخر الوقت حتى اعلن الحريري نفسه الإستقالة عصراً، ومن ثم سلّمها خطياً إلى عون في لقاء بينهما لم يستمرّ أكثر من عشر دقائق، خرج بعده الحريري والتوتر واضحاً عليه.
المحتجون الذين كانت قلة منهم لا تزال متواجدة في الساحات تصرفوا انهم امام انتصار. لكن الرعب ظل مخيما على الجميع، إذ لا احد يملك الجواب عن مآلات الايام المقبلة، في ظل استمرار صراعات اهل الحكم على كيفية التعامل مع الوضع، وتعثّر تشكيل حكومة جديدة.
وبحسب معلومات مصادر معنية، فإن ملف التغيير الحكومي صار بحكم الامر الواقع، مع خطاب الرئيس عون الخميس الماضي. وهو قرار تم التفاهم عليه بين القوى الرئيسية. وكان النقاش حول الشكل والتوقيت والاهم حول المضمون. وبقي الخلاف قائما حول حصول تعديل وزاري كبير او تغيير شامل للحكومة. وتفاوتت الطروحات بين خروج الممثلين السياسيين للقوى من الحكومة واستبدالهم بشخصيات اقرب الى التكنوقراط، مع اضافة وجوه يعتقد انها تلقى قبول الناس، وبين تغيير شامل يخرج الممثلين المباشرين للقوى السياسية من الحكومة التي يفترض ان تكون مصغرة. وكان الحريري يضغط مع الوقت لانجاز الامر. لكن الوزير جبران باسيل رفض الخروج من الحكومة، وهو الموقف الذي غطاه الرئيس عون ولم يعترض عليه حزب الله.
رئيس الحكومة لم يكُن يعمل على خط واحد، بل اعتمد سياسة اللعب على الحبال. ففي وقت واصلَ فيه عقد لجان وزارية، رافضاً كل تمنيات القوى السياسية عقد جلسة للحكومة، أقله لإظهار جدية في تنفيذ بنود الورقة المالية – «الإصلاحية» بهدف تنفيس الإحتقان في الشارع، كانَ يعقُد اجتماعات سرّية يومية مع مجموعات في الحراك للبحث في خيار حكومة التكنوقراط والطلب اليها وضع أسماء مقبولة في الشارع. ويتهم خصوم الحريري رئيس الحكومة بأنه كان يسعى الى مد جسور مع الناشطين على الارض، بقصد الظهور انه الى جانبهم وانه يؤيّد مطالبهم تمهيداً لاستقالة تجعله خارج شعار «كلن يعني كلن». لكن الاخطر، اعتبار قوى التسوية ان الحريري عمل على تلبية رغبة خارجية باستكمال الإنقلاب الهادف الى تغيير موازين القوى في السلطة.
وقالت أوساط بارزة في 8 آذار إن «الحريري كان يتذاكى في موضوع الورقة الإصلاحية التي وقعها كل أهل السلطة على بياض، فيما كان هو يستثمر في الحراك مانعاً التعرض للمتظاهرين وفتح الطرقات، كما اصر على استبعاد باسيل واخراجه من الحكومة». وهو اكد أمام المعنيين أنه «لم يعُد قادراً على تحمّل باسيل والتعايش معه وأن شرطه الوحيد للبقاء داخل الحكومة إجراء تعديل يطال بالدرجة الأولى وزير الخارجية قبلَ أي وزير آخر».
وفيما كان النائب السابق وليد جنبلاط موافقاً على طرح الحريري، وويؤيده الرئيس نبيه بري في حال ساعد حصراً على تهدئة الشارع، كان موقف حزب الله واضحاً وجازماً أن «لا تعديل ولا تغيير الا ضمن سلة شاملة وضمن ظروف خاصة»، وهاجس الحزب، هنا، ليس منع كسر باسيل او التيار الوطني الحر، بل منع الخصوم المحليين والخارجيين من الفوز ولو بنقطة، لان الحزب عبر عن خشيته من ان طلب الاستقالة يهدف الى التمهيد لجولة ضغوط اضافية تكون على شكل مطالبات باستقالة الرئيس عون ثم حل المجلس النيابي وترك البلاد امام الفراغ.
وحين حاول الحريري ابتزاز القوى السياسية بالإستقالة سمع كلاماً واضحاً «بأنك حين كنت مع باسيل على انسجام تام في إدارة أمور البلاد كانت الأمور ماشية، والآن حين لم تعُد راضياً عنه تريد خراب البلد. هذه الإستقالة تعني الدخول في الفراغ المجهول، وانت بذلك تخرب كل شيء». وعلمت «الأخبار» أن لقاءً عُقِد ليل أول من أمس بين الحريري (في منزله) والمعاون السياسي للامين العام لحزب الله، الحاج حسين الخليل، الذي تمنى على رئيس الحكومة عدم الإستقالة منعاً للفراغ. لكن الحريري أصر على تعديل وزاري يُخرج باسيل ووزراء آخرين من الحكومة، أو الاستقالة. وبعد طرح عدة خيارات، أكّد الحريري لضيفه انه سيستقيل. كذلك حاول الرئيس بري أكثر من مرة ثني الحريري عن قراره، لكن رئيس الحكومة «بقي مُصراً على إصراره» كما قال بري أمام زواره أمس معتبراً أن «المرحلة حساسة جداً وتتطلب تعقلاً وحواراً بين جميع المعنيين للخروج من الأزمة».
وتنظر الأوساط السياسية الى خطوة الحريري بوصفها «انقلاباً وتماهياً مع الضغوطات الخارجية التي تعرض لها»، وأكدت الأوساط أن «الاستقالة جاءت بعد ضغوطات أميركية وفرنسية عليه، علماً أن المسؤولين الفرنسيين الذي تواصلوا مع عدد من الشخصيات اللبنانية أكدوا أنهم نصحوه بعدم الإستقالة». وأضافت الأوساط أنه منذ اليوم الأول للتحركات الشعبية كان الحريري يلتزم بكل ما هو مطلوب منه حرفياً، إن على صعيد منع انعقاد جلسة للحكومة، أو في الشارع بعدم اتخاذ اي قرار يلزم الجيش والقوى الأمنية بفتح الطرقات ومحاسبة الذين يسبّبون الفوضى بحجة عدم وضع الجيش في مواجهة المتظاهرين». واعتبرت أن «الحريري كان يلعب من تحت الطاولة من تحديد مهلة 72 ساعة لشركائه في الحكومة، ثم اصرار مقربين منه على إعطاء ثمن سياسي للمتظاهرين، وصولا الى سعيه الى تغيير حكومي وفق تصوره، بالاضافة الى أوامر عمليات كانت تأتي للأجهزة الأمنية بعدم فتح الطرقات أو الضغط على المُحتجين».
الحريري التقى الخليل ليل أول من امس: إما إخراج باسيل أو الاستقالة
بقي ان النتيجة الاولى لهذه الخطوة، طرح السؤال في وجه الجميع: ماذا سيحدث في الشارع، وهل ستذهب البلاد الى مواجهة كبرى، وهل هناك إمكانية لتشكيل حكومة جديدة؟ وزاد من القلق انضمام مجموعات من انصار المستقبل الى التحركات في الشارع والاقدام على قطع طرقات في بيروت لساعات بعد إصدار تيار المستقبل بياناً يطلب فيه الحريري من مناصريه الخروج من الشارع. وتقول المصادر أن «خطأ الحريري هو اقتناعه بأن لا بديل عنه، وأن من سمّوه سابقاً سيكلفونه من جديد، علماً أنه لم يأخذ أي ضمانة في هذا الصدد، وهو خير العارفين بأن موقف أركان التسوية منه قبل الإستقالة هو غيره ما بعدها. مع ذلك ظلّ يكابر وعلى قناعة هو والقوات اللبنانية وبعض التيارات والاحزاب التي ركبت موجة الحراك بأن الإستقالة ستفتح باباً للحلّ والحوار».
الحريري قال في خطابه «إنني وصلتُ إلى طريق مسدود»، مناشداً «اللبنانيين تقديم مصلحة لبنان وحماية السلم الأهلي». لكن كلامه عن أن «مسؤوليتنا اليوم كيف ننهض بالاقتصاد، وتوجد فرصة جدية لا يجب أن تضيع»، لا يتناسب مع يومياته بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية، التي لم تتغير حسب عارفيه، إذ إنه لم يتصرف كما لو انه على راس ورشة عمل لوضع الورقة الاصلاحية موضع التنفيذ.
اليوم تدخل البلاد في باب الخطوات الدستورية التي ستلي الإستقالة ومنها تحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية لتكليف رئيس جديد للحكومة. وقد انعقدت ليل امس، سلسلة اجتماعات لحزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر، وبقيت القنوات ناشطة بين الرئيسين عون وبري والسيد حسن نصرالله والوزير السابق سليمان فرنجية من اجل الاتفاق على تصور للمرحلة المقبلة.
سارع النائب السابق وليد جنبلاط إلى الترحيب بالاستقالة، مغرّداً «منذ اللحظة الأولى دعوت إلى الحوار وعندما رفضتُ الاستقالة (وزراءه) سادَ موقف من التململ والانزعاج في صفوف الحزب الاشتراكي. وتحمّلتُ الكثير. لكن في هذه اللحظة المصيرية وبعد إعلان الشيخ سعد الحريري استقالة الحكومة بعدما حاول جاهداً الوصول الى تسوية وحاولنا معه، فإنني أدعو مجدداً إلى الحوار والهدوء».
أما رئيس حزب القوات سمير جعجع، فعلّق بالقول: «حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتقديم استقالته واستقالة الحكومة تجاوباً مع المطلب الشعبي العارم بذلك».
(الاخبار)