مراهنات القادة الفعليين للتظاهرات خارجيّة: د.وفيق إبراهيم
الحرب الأهلية لم تعد بحاجة الى توازنات قوى داخلية خصوصاً في الشرق الاوسط الذي يبدو الخارج الدولي مؤثراً في أحداثه اكثر من قواه المحلية.
هذا ما يجري حالياً في لبنان، حيث تجتمع احزاب صغيرة وجمعيات هامشية لقيادة تحرك شعبي «حقيقي» نحو أهداف سياسية لها طابع إقليمي، انما بواجهات محلية. فالفساد السياسي مثلاً هو شعار للنيل من الطبقة السياسية الحاكمة والتي يشكل جزءاً اساسياً منها الوزير السابق وليد جنبلاط أحد الداعين الى التظاهرات، وكذلك سمير جعجع قائد القوات اللبنانية الذي يجسد فساداً سياسياً تاريخياً لارتباطاته السابقة بـ»إسرائيل»، وينطبق الأمر نفسه على آل الجميل الكتائبيين وعشرات الشخصيات السياسية المرتبطة بالسياسة الخارجية والاميركية ورؤساء جامعات أميركية ويسوعية وحتى لبنانية.
هناك إذاً انتفاضة جماهيرية حقيقية في بعض ادائها تريد التغيير السياسي لتحسين الاوضاع الاقتصادية، الى جانب قسم آخر من جمهور الاحزاب الداعية الى التظاهرات، يمتلك بعداً طائفياً بالاضافة إلى نوعين من القيادة، واحدة ميدانية تتوهم انها تمسك بزمام الامر وتوجيه التظاهرات، لكنها ليست فعلياً إلا كشرطة السير الذين ينظمون عبور السيارات وفق خطة أعدتها قيادتهم الحقيقية في مكان آخر.
هذه هي القيادة الفعلية أي النوع الثاني الذي يخطط للاستثمار في الحراك لغايتين: محلية، تؤدي إلى إما إمساكه بالمؤسسات الدستورية او تعطيلها على الأقل، ولكن جانبها الإقليمي أكثر خطورة ويتعلق بالصراع السعودي ـ الإيراني ـ الأميركي ـ السوري، بمشاركة إسرائيلية لا تُخفى على أحد.
كيف يتم هذا الأمر؟ نظرية الاحتماء بالمتظاهرين وقيادتهم من الخلف أصبحت واضحة، وما إقفال الطرقات من منطقتي الرينغ الفاصلة بين الجزءين الشرقي والغربي لبيروت على اساس طائفي وخلدة الفاصلة بين نفوذ جنبلاط وحزب الله، إلا مؤشرات على الاتجاهات التي يريدها المخططون لسياق الأحداث المتصاعدة.
فإذا كانت مناطق الشفروليه وذوق مكايل وانطلياس وجبيل وأميون ومداخل طرابلس والبداوي هي جزء من الصراع الداخلي، بين القوات، والتيار الوطني وبين التيار الوطني وبعض أجنحة حزب المستقبل، فإن إقفال الطريق من مناطق جنبلاط الجبلية الى البقاع يشكل فرعاً من الصراع الإقليمي مع حزب الله.
لذلك، يعمد المخططون الى تطوير الشعارات السياسية والاقتصادية للحراك باتجاه التركيز على حزب الله وسلاحه والتركيز على محاولات هذا الحزب السيطرة على المناطق المسيحية والسنية والدرزية، كما يزعمون، بما يكشف الاتجاه نحو تطوير شعارات الحراك من اقتصادي سياسي إلى إقليمي لا يذهب إلا إلى مصلحة «إسرائيل» والسياسة الأميركية اللاهثة وراء سياقات جديدة تحدّ من تراجعاتها في الشرق الأوسط. وهذا واضح من احداث العراق وشرقي سورية ولبنان. وما فعله الاميركيون من اصلاح الخلافات بين السعودية والإمارات في جنوبي اليمن.
الا تدل التصريحات الاسرائيلية الاخيرة والمتجددة حول الخطر الإيراني وحزب الله والحفر قرب السياج عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة واحتلال بضعة أمتار قرب مجرى الوزاني؟
الا تكشف عن ارتباط ما تخطط له القيادات الحقيقية لسياق الحراك اللبناني!
إن تركيز الهجمات على حزب الله تؤدي الى تجميع القوى السياسية المهزومة في الداخل اللبناني وربط هذا التجميع بالحركة الأميركية السعودية الخارجية التي تترقب «إسرائيل» اكتمالها للتحرك عسكرياً.
إلا أن هناك محاولة من الحزب الشيوعي اللبناني وبعض حلفائه لاسترداد قيادة الحراك وانتزاعها من المرتبطين بالخارج، وذلك لإعادة تموضعها في مستواها الاقتصادي السياسي الداخلي. وهي محاولة يعتقد بعض الخبراء انها قد تنجح جزئياً بسحب الجزء الموجود في ساحة رياض الصلح من مكائد حلف جعجع – جنبلاط – الجميل.
بالمقابل، يجب وضع تصريحات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الأخيرة في خانة التدخل الأميركي المباشر لأنه يزعم أنه مستهدف لجهاده مصرفياً ضد الإرهاب في حركة تماهِ وتماثل واستتباع للعقوبات الأميركية على حزب الله.
علماً أن 50 في المئة من الدين العام اللبناني ناتج عن نظريات رياض سلامة في إقراض المصارف للدولة اللبنانية بفائدة بدأت بستين في المئة في مطلع هذا القرن وهبطت الى 48 في المئة حالياً، علماً أن المصارف تمنح اللبنانيين مودعي الاموال لديها فائدة لا تزيد عن الـ6 في المئة.
الا تشكل سياسات سلامة الجزء الأكبر من الانهيار الاقتصادي؟
لبنان إذاً ذاهب نحو وضع متدهور، لأن هناك أطرافاً لبنانية تعمل على إسقاط المعادلة السياسية الحالية او الذهاب نحو توتير أمني في الشارع يشكل تبريراً لتدخل أميركي ـ غربي إسرائيلي متنوّع، لا يستبعد فرضية التدخل العسكري الخارجي.
للتذكير فقط فإن جريحاً حقيقياً واحداً لم يسقط في اضطرابات تتعمّد إقفال الطرق والافران والمحال والدوائر الرسمية، مقابل سقوط ثمانين قتيلاً في يوم واحد في العراق وآلاف الجرحى في التظاهرات الفرنسية التي تجري كل يوم سبت.
إن خيارات الدولة ضعيفة، فرئيس الحكومة سعد الحريري خائف من السعودية من جهة، ومن بعض أجنحة حزبه من جهة ثانية، والرئيس عون لا يريد الذهاب نحو أسلوب القمع العسكري.
وحده حزب الله بشعبيته الكبيرة ودوره المدافع عن المجتمع والدولة، يستطيع ابتكار الحلول في هذا الزمن الصعب في إطار اعادة تصويب الحراك الجماهيري نحو أهداف اقتصادية وسياسية، ولن يعدم وسيلة لتحقيق هذه الغاية التي تحمي الوطن واللبنانيين من بعض الذين اعتادوا بيع بلادهم من أجل أوزانهم السياسية ومصالحهم الخاصة.
ويبدو أن الأيام المقبلة ذاهبة نحو منع الفتنة وصون لبنان من القوى التي اعتادت تاريخياً على العبث بأمنه، على قاعدة تحقيق الإصلاح السياسي والاقتصادي، وإجهاض مشاريع الحرب الأهلية والفتن الداخلية.
(البناء)