المساكنة الإلزامية بين الحراك والحكومة: ناصر قنديل
– لا تستطيع الحكومة أن تُنكر أن ما أقرّته لم يكن برنامجها الأصلي ولا برنامج رئيسها، وأنه ما كان ليكون لولا الحراك الشعبي الهادر في الشارع، ليس في صيغة الحزمة الكييرة للقرارات التي كانت تستهلك سنوات لتوضع على الطاولة وحسب، بل بمضمون مغاير لما كان يدور حوله النقاش تحضيراً للموازنة. فصرف النظر عن الضرائب على المواطنين، وتحميل مصرف لبنان والمصارف عبئاً أساسياً من سد العجز في الموازنة، وتطبيق تقشف واسع النطاق في الإنفاق الحكومي، وفتح ملف الأموال المنهوبة والمساءلة، هي توجهات كانت مرفوضة في السياسات الحكومية السابقة، وإقرارها هو محاولة لملاقاة الغضب الشعبي في منتصف الطريق، وهذه حصيلة تُكتب للشعب، ويُقدَّر بالمقابل للحكومة تلقي صرخاته، ولو متأخرة وناقصة وتحوم حولها تساؤلات الصدقية في التنفيذ.
– لم يكن متوقعاً من الشارع الذي رفع شعارات عالية السقوف تلقي الخطوات الحكومية إيجاباً، لكن قدر الحراك الذي لا يملك خارطة طريق لتطبيق سقوفه العالية، كإسقاط النظام وترحيل المجلس النيابي والحكومة، أن يتحوّل ولو دون إرادته وخارج نطاق وعيه، إلى ضمانة لتطبيق المقررات الحكومية واستكمال نواقصها، وفرض فحص المصداقية على الحكومة ومكوّناتها عند كل استحقاق، لأن الترجمة الوحيدة لرفض الحراك الشعبي للمقررات الحكومية، هي البقاء في الساحات، ولو تراجعت نسبة الحضور في الساحات مع فتح الطرقات وعودة الحياة إلى المصارف والجامعات والشركات والمؤسسات، وسيكون هذا الحضور بحد ذاته عامل رقابة مستمرة على الحكومة التي حدّدت مواعيد أغلبها ينتهي مع نهاية العام لتحقيق ما وعدت به.
– مثلما سيكون إلزامياً للحراك أن يتساكن مع الحكومة، سيكون على الحكومة لزاماً التساكن مع الحراك، ومثلما سيؤدي التساكن إلى منح الحراك فرصة التنظيم والوضوح في الرؤيا، فهو سيمنح الحكومة بالتوازي قوة تلزمها بتطبيق وعودها، وتمنح الراغبين من الحكومة والمجلس النيابي بملاقاة الحراك فرصة الاستقواء بالناس لملاحقة الوعود والمواعيد، والأهم تلافي النواقص وفي طليعتها ما تنادي به ساحات الحراك من قانون انتخابات خارج القيد الطائفي يعتمد لبنان دائرة واحدة وفقاً للنظام النسبي من جهة، وإقرار قانون رفع السرية المصرفية والحصانات عن كل مَن يتولى المسؤولية العامة أو تولاها سابقاً، رؤساء ووزراء ونواب ومدراء، مع تشكيل هيئة قضائية مستقلة لتطبيق مبدأ من أين لك هذا، وفي المشروعين خير ملاقاة لأبرز دعوات الحراك.
– الجيش اللبناني ومن خلفه القوى الأمنية كافة، معني بالمستوى والدرجة ذاتهما، أن يضمن أمن الراغبين بالمشاركة في الحراك، وأمن غير الراغبين، وهذا يعني عملياً تأمين حق الناس بالوصول إلى ساحات الحراك بمثل تأمين حقهم بالوصول إلى جامعاتهم وأماكن عملهم، لتكون ضمانة المساكنة السلميّة للتنوّع السياسي تعبيراً عن حرية المعتقد والرأي، كما يكفلها الدستور وتحققها القوانين، ويتقدّم لبنان نحو تغيير سلمي يحلم به اللبنانيون، بعيداً عما يرسم لهم من فِخاخ تهدف لإطاحة كل منجزات تحققت بتضحيات مقدسة وجعلته منيعاً بوجه العدوان والاحتلال والإرهاب والفوضى، بأن تحصّن مصادر قوته وتبقيها خارج التجاذب السلطوي وفي طليعتها المقاومة والجيش.