مقالات مختارة

سقط النظام الطائفي ولا بدّ من: مؤتمر وطني تأسيسي لبناء دولة مدنية ديمقراطية: د. عصام نعمان

تحت وطأة تظاهرات جماهيرية عفوية كاسحة وغير مسبوقة عمّت كلّ المناطق والطوائف والعقائد يظلّلها علم لبنان الواحد، ونتيجةَ معاناة أزمةٍ مزمنةٍ خانقة اقتصادية واجتماعية ومعيشية، وحالٍ متمادية من اللادولة، تهاوى النظام الطائفي الفاسد بكلّ أهله وأجهزته وجلاوزته. عجّلت في ذلك ثلاثة عوامل: أوّلها، انقسام الشبكة السياسية المتحكّمة على نفسها وخروج بعض أركانها على أحكام الدستور ووثيقة الوفاق الوطني الطائف ومثابرة بعضهم الآخر على الإذعان لتدخلات سافرة من قوى خارجية معادية. ثانيها، تشتت القوى الوطنية والتقدّمية المفترض بها ان تشكّل معارضةً فاعلة وبديلاً للنظام الطائفي الفاسد. ثالثها، احتدام الصراع في الإقليم بعد انهيار النظام العربي الإقليمي، واعتزام الولايات المتحدة و إسرائيل تصفية قضية فلسطين من خلال ما يُسمّى صفقة القرن والفتن المذهبية والحروب الأهلية.

في غمرة هذه التظاهرات والتحديات، صدر عن أهل القرار موقفان حاسمان: الأول لرئيس الحكومة سعد الحريري، والثاني لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. الحريري أمهل نفسه وشركاءه في السلطة 72 ساعة للتوافق على خطة متكاملة للإصلاح والإنقاذ، مقرونة بتهديد ضمني بالإستقالة اذا ما تعذّر تبنّيها. نصرالله أيّد مطالب المتظاهرين المحقة، لكنه عارض إسقاط العهد والحكومة، داعياً أهل السلطة والقرار الى تحمّل مسؤولياتهم والمبادرة الى مواجهة خطر الانهيار المالي والاقتصادي، ومهدّداً بنزول حزب الله وجمهوره الى الشارع في كلّ مناطق البلاد اذا ما أحجم أهل القرار عن تحمّل المسؤولية وبذل الجهود الكفيلة بتفادي الانهيار.

الى أين يتجه المشهد اللبناني؟

لن يبتئس اللبنانيون إذا ما تمكّن الحريري وشركاؤه في السلطة من النجاح في تحقيق خطته الإنقاذية. لكن تعاظم الإنتفاضة الشعبية ضدّ النظام الطائفي من جهة، وانقسام أهل السلطة في ما بينهم وضيق هامش المناورة أمامهم من جهة أخرى يجعلان فرص الحريري بالنجاح محدودة. هذا الاحتمال الراجح يعزز قدرات وحظوظ خصوم النظام الطائفي الفاسد المطالبين بإسقاطه وبإصلاح جذري نهضوي شامل.

لتحقيق الإصلاح النهضوي المنشود، تستطيع قوى التغيير سلوك مسار سياسي إصلاحي قوامه الأسس والإجراءات الآتية:

أولاً، عدم التورّط مع الشبكة السياسية المتحكمة في ايّ صيغةٍ تسووية لتوافق وطني مصطنع يُراد منه إعادة انتاج النظام او تجديد مؤسساته وآلياته بل دعوة القوى الوطنية والتقدمية الحيّة الى إعمال الفكر وتفعيل الحوار بغية إنتاج برنامج أولويات سياسية واقتصادية واجتماعية متكاملة لمعالجة حال لبنان المستعصية والإنتقال به، من خلال جبهة وطنية عريضة، الى حال الحرية والوحدة والنهضة وحكم القانون والعدالة والتنمية والإبداع.

ثانياً، الضغط على أهل القرار في جميع المستويات والمؤسسات للتسليم بأنّ البلاد تمرّ في ظروفٍ صعبة واستثنائية، وانّ الظروف الإستثنائية تستوجبُ بالضرورة تدابير استثنائية للخروج منها، وانّ ذلك يستوجب بدوره اتخاذ التدابير الآتية:

أ تنحية الشبكة المتحكّمة وتأليف حكومة وطنية جامعة قوامها قياديون اختصاصيون من خارج أهل النظام لمعالجة القضايا والمشكلات الأكثر إلحاحاً وأهمية، واتخاذ القرارات والتدابير الاستثنائية اللازمة بشأنها.

ب قيام الحكومة الوطنية الجامعة بالدعوة الى عقد مؤتمر وطني تأسيسي مؤلّف من مئة شخصية وطنية مقتدرة.

ج يتكوّن المؤتمر من: أربعين عضواً من الكتل البرلمانية التي يضمّ كلّ منها أربعة أعضاء على الأقلّ، يمثلون واقعياً وافتراضياً نسبة الـ 49 في المئة من اللبنانيين الذين شاركوا في الانتخابات الأخيرة بحسب بيان وزارة الداخلية،

وستين عضواً من الأحزاب والنقابات وتشكيلات المجتمع المدني يمثلون نسبة الـ 51 في المئة من اللبنانيين الذين قاطعوا الانتخابات النيابية الأخيرة.

د تسمّي قيادات الكتل البرلمانية والأحزاب والهيئات المشار اليها في الفقرة جـ ممثليها في المؤتمر. واذا تعذّر عليها التوافق ترفعُ اقتراحاتٍ بأسماء شخصياتٍ مقتدرة في صفوفها الى الحكومة الوطنية الجامعة كي تقوم بإختيار أعضاء يمثلونها من بينهم.

هـ تتمّ عملية تكوين عضوية الهيئة العامة للمؤتمر الوطني التأسيسي في مهلة أقصاها شهر واحد من تاريخ انطلاقها، على أن تدعو الحكومة الوطنية الجامعة فور انتهاء المهلة الى عقد المؤتمر بالأعضاء الذين تمّت تسميتهم شرط ألاّ يقلّ نصابه عن خمسين من مجموع أعضائه المئة.

و يعقد المؤتمر الوطني التأسيسي جلسات متواصلة لإنجاز مهامه في مهلة أقصاها شهر واحد.

ثالثاً، يهدف المجلس الوطني التأسيسي في عمله الى تحقيق المبادئ والإصلاحات التغييرية النهضوية الآتية:

أ الخروج من النظام الطائفي الفاسد بإرساء قوعد الدولة المدنية الديمقراطية.

ب اعتبار قوانين الإنتخاب المتعاقبة منذ الإستقلال غير دستورية، وانّ اعتماد قانون انتخاب يؤمّن صحة التمثيل الشعبي وعدالته شرطٌ ومدخلٌ لبناء الدولة المدنية الديمقراطية ومنطلقٌ لإقرار سائر القوانين والإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية النهضوية.

جـ إقرار قانون جديد للإنتخاب وفق أحكام الدستور، لا سيما المادتين22 و27 منه.

د اعتماد النسبية في دائرة انتخابية وطنية واحدة.

هـ يكون مجلس النواب مؤلفاً من 130 نائباً، مئة 100 منهم يُنتخبون بموجب لوائح مرشحين مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين من دون التوزيع المذهبي للمقاعد، ويُنتخب الثلاثون 30 الباقون وفق التوزيع المذهبي على ان يكون لكلّ ناخبٍ صوت واحد.

و يجتمع النواب المنتخبون جميعاً في هيئة مشترعة واحدة ويقومون بتشريع قانونين:

الأول يقضي بإعتبار النواب المئة المنتخبين على أساس المناصفة من دون التوزيع المذهبي للمقاعد قوامَ مجلس النواب المنصوص عليه في المادة 22 من الدستور، واعتبار الثلاثين نائباً المنتخبين على أساس التوزيع المذهبي قوامَ مجلس الشيوخ وفق المادة عينها. الثاني يقضي بتحديد صلاحيات مجلس الشيوخ بإعتماد معظم المواضيع المعتبرة أساسية في الفقرة 5 من المادة 65 دستور.

رابعاً، يُطرح مشروع قانون الإنتخاب الديمقراطي الجديد مع مشروع قانون تعديل أحكام الدستور استكمالاً لمضمون المادتين 22 و 27 منه على استفتاء شعبي عام، ويكون هذان القانونان شرعييْن ومستوجبيْن التنفيذ، ويُعتبر مجلس النواب القائم منحلاً بموجبهما بمجرد نيْل الاستفتاء موافقة لا أقلّ من خمسين في المئة من أصوات المشاركين.

خامساً، تقوم الحكومة الوطنية الجامعة بإجراء انتخابات تشريعية وفق أحكام قانون الإنتخاب الجديد وإنتاج مفاعيله الدستورية والقانونية.

ماذا لو تعذّر، لسبب أو لآخر، سلوك هذا المسار التغييري النهضوي الديمقراطي؟

انّ القوى الحيّة عموماً والقوى الوطنية والتقدمية خصوصاً المؤتلفة في جبهة وطنية عريضة مدعوّة الى اعتماد خيار العصيان المدني ومباشرة تنفيذ متطلباته ضدّ مؤسسات النظام الطائفي الفاسد والقائمين بإدارته، وتصعيد الضغط الشعبي لغاية تسليم المسؤولين ذوي الصفة بتنفيذ برنامج التغيير الديمقراطي النهضوي بمبادئه وأسسه وإجراءاته جميعاً.

إنّ البقاء في حال الطائفية والفساد والحروب الأهلية موتٌ بطيء ومحتّم، فيما الإنطلاق الى التغيّر والتغيير الديمقراطي النهضوي ارتقاء الى حياة حضارية جديدة وإبداعية، وقد آن الآوان.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى