بقلم غالب قنديل

التقهقر الأميركي والتحولات المقبلة

غالب قنديل

تعيش المنطقة تحولا جديا في توازناتها ومعادلاتها كان من نتائجه  طلب ترامب لتكثيف الوساطات مع القيادة الإيرانية ولمساعدة الحكم السعودي على الانتقال إلى سلوك تفاوضي أقل استفزازية اتجاه الجار الإيراني الذي يمد اليد من سنوات للتعاون في جميع المجالات الإقليمية المشتركة.

 

هذا التحول عبرت عنه خطوتان مهمتان ظهرتا في العاصمة الإيرانية قبل أيام باستقبال رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الذي قال بوضوح ان تحركه للوساطة بين إيران والمملكة تم بناء على طلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي التقاه في نيويورك وأفصح خان عن رغبته في استضافة مباحثات سعودية إيرانية في إسلام آباد بينما كان يحط في العاصمة الإيرانية وفد إماراتي رفيع يستكمل ما سلف من اتصالات معلنة وسرية بين البلدين.

يعقب هذا التحول السياسي تبدلات متلاحقة في توازن القوى على جبهات الصراع بين المحورين المتقابلين في المنطقة وبعدما تلقت الغزوة الأميركية الغربية الصهيونية الرجعية ضربات رادعة متلاحقة وأجبرت الولايات المتحدة بنتيجتها على إصدار إشارات الرغبة في التفاوض والتراجع عن النبرة العالية وضجيج التهديد الذي واكبته بحشد أساطيلها الحربية قبل أشهر ولعل الحصيلة ظهرت في جميع المحاور والساحات تباعا بدءا من فلسطين فلبنان والعراق وبالذات في سورية واليمن وإيران نفسها.

جاء في هذا السياق الانكفاء الأميركي امام تصميم  سورية والعراق على إعادة فتح المعابر الحدودية التي تمثل شريانا حيويا لاقتصاد البلدين ومتنفسا جديا لسورية بالذات من قبضة الحصار الأميركي الغربي المشدد بعد فشل الحرب العدوانية التي استهدفتها وقد ظهرت ملامح التقهقر والرضوخ على اطراف المحور المعادي مع انتقال محور المقاومة إلى اتباع خطوات دفاعية هجومية من خلال مبادرات موجعة في الرد على حلف العدوان.

الطبيعي ان يظهر في المسار نفسه ارتباك اميركي شديد حول الوضع في سورية التي تؤكد تصميمها على تحرير ترابها الوطني ودحر القوات الغازية المحتلة وجميع عصابات الإرهاب الباقية على الأرض وهي من مخلفات العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي الذي تم صده واجبر على التراجع امام الجيش العربي السوري وحلفائه.

إن من أبرز النتائج السياسية التي تتبدى ملامحها في المنطقة تراجع النفوذ الأميركي وذعر المرتبطين به والمراهنين عليه من القوى الإقليمية والمحلية وسعي بعضهم إلى التكيف مع الظروف الجديدة وهذا من شانه ان يخلخل منظومة متكاملة من آليات الضبط والربط الأميركية التي تتحكم بالعديد من التوازنات والمعادلات المحلية في بلدان المنطقة خصوصا تلك التي حكمت بصيغ شراكة ومساكنة بين القوى المحلية للمحورين المتقابلين . إنها تداعيات الفشل في فرض السيطرة الأميركية الأحادية التي حالت دون استمرارها معادلات القوة القاهرة وسلسلة من الهزائم منيت بها حروب الغزو والوكالة على امتداد المنطقة ولابد من فهم ما يجري دون الوقوع في تضليل الكلام الكثير عن خروج اميركي مفترض من الشرق لا تؤكده الوقائع رغم الكلام المتجدد للرئيس ترامب عن الخروج من  الحروب التي تورطت فيها الإدارتان السابقتان خلال عشرين عاما منذ غزو العراق وأفغانستان وهو ما كان وعدا انتخابيا رئيسيا لترامب قبل انتخابه وهو يحاول إنعاشه وتثبيته في حملته لولاية رئاسية ثانية والخروج من تلك الحروب شيء ومغادرة الجغرافية شيء آخر.

الفصل الجديد من الأحداث الإقليمية يشير إلى تقهقر الحضور الأميركي وتراجع القبضة الأميركية وبالتالي انحسار القدرة على مواصلة فرض شروط الوصاية على حكومات المساكنة في الإقليم إذا توافرت لقوى المحور المقاوم إرادة المبادرة والتصميم على مواكبة التحولات وهذا ما يتطلب قراءة متأنية للنتائج والانعكاسات اللبنانية على صعيد العلاقات السياسية والاقتصادية الإقليمية والتحرر من أسر نهج مسايرة النفوذ الأميركي والتكيف معه بتحاشي ممنوعاته الكثيرة خصوصا في ظروف اقتصادية حرجة حرمت فيها البلاد من فرص عديدة مجدية بسبب الإذعان لواشنطن ومحظوراتها على صعيد العلاقات اللبنانية مع سورية والعراق وإيران والصين وروسيا.

يفترض الوضع الجديد لبنانيا مناقشة اقتراحات وأفكار ومبادرات غير عادية في التمرد على الوصاية الأميركية وعدم تهيب المواجهة السياسية مع الواهمين الذين يجترون كلامهم عن الجبروت الأميركي في لحظة خوف شديد من انقلاب التوازنات الكبرى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى