لو كان القرار السوري منسَّقاً لأيدوه!: ناصر قنديل
–على مدار سنوات الحرب على سورية يشتغل الإعلام المعادي للدولة السورية وأغلبه مموّل خليجياً، على معادلات تتراوح بين حدّين، الأول تعظيم الدور الذي تقوم به القوى الملتحقة بواشنطن وتصويرها صانعة المبادرات العسكرية والسياسية، والثاني التهوين من أي تحرك أو نجاح أو إنجاز عسكري أو سياسي وتصويره ثمرة لتفاهمات، وأحياناً لصفقات. بتصوير الأمر كثمرة لتنسيق مسبق ينتقص من سيادة الدولة السورية ومهابتها، ويقدّمها كمجرد تابع لمعادلات تُصنَع خارج سورية، وإذا كانت الشواهد على النوع الأول من الحملات الإعلامية الذي يعظم أعداء سورية ويصورهم صناعاً للسياسة والميدان، كثيرة وتكفي للتذكير بها، استعادة كيفية تصوير تمدّد داعش، ومن بعدها مواجهات قسد وداعش، وعندما دخل الجيش السوري إلى دير الزور، كمثل عندما دخل إلى درعا والجنوب، الصورة تتغيّر. فالدخول ثمرة صفقة مرة شارك فيها الأميركي في دير الزور لترسيم الحدود بين قسد والدولة السورية، بما يعني رضاً سورياً عن التقسيم، وتفريطاً بوحدة سورية. ومرة شارك فيها الإسرائيلي جنوباً لضمان أمنه، فتصير الدولة السورية مجرد حارس حدود للاحتلال الجاثم على صدر الجولان.
– مرة أخرى يطلّ هذا الخطاب برأسه في مواكبة القرار الشجاع والحاسم للدولة السورية ورئيسها وجيشها بالتوجّه شمالاً لصد الغزو التركي، فيتم الحديث عن تفاهمات تمّت مع قسد بوساطة روسية انتهت بتسليم قسد بعض مواقعها للجيش السوري، مقابل دعمه لقسد باستعادة عفرين. وهذه قمة السخافة، فهل يعقل أن تقوم الدولة السورية بتحرير عفرين من الاحتلال التركي لضمها إلى دويلة كردية. والحقيقة واضحة، فقد اضطرت قسد للتعامل مع قرار سوري بالتقدم، وكان أمامها خياران، مواجهة خطر التقدم التركي شمالاً والتقدم السوري جنوباً، أو السعي لتتأقلم مع قرار الدولة السورية بأقل الخسائر. وهذا ما فعلته، فارتضت الرضوخ لأمر واقع وإبلاغ الروس والإيرانيين بقبول الشروط السورية، بالإعلان عن التبرؤ من المشروع الانفصالي والانفتاح على المشاركة في مساعي الحل السياسي، والتساكن مع انتشار الجيش السوري الذي لقي الترحيب من مواطنيه بصورة احتفالية شارك فيها المواطنون العرب والأكراد.
– الدليل على صدقية ما نقول بسيط، وهو أن الذين نددوا بالغزو التركي، من حكومات عربية وأوروبية، دافعوا في إعلامهم وسياساتهم عن قسد ماضياً وحاضراً. فالعلاقات السعودية بقسد واضحة وعلنية منذ زيارة عادل الجبير للرقة، والفرنسيون يجاهرون بكونهم ملتزمين بالقضية الكردية، كما يسمون تبنيهم لتقسيم سورية والعراق، فإن كان ما جرى هو صفقة، بين الدولة السورية وقسد، لماذا لا نسمع تأييد أي منهم لهذه الصفقة والترحيب بقرار الدولة السورية إرسال جيشها شمالاً، طالما القضية هي مواجهة غزو مدان وصفوه بالخطر على الأمن القومي العربي، في ظل غياب أي مسعى آخر له قيمة لوقف الغزو؟
– ليس صادقاً في رفض الغزو التركي وتمسكاً بوحدة وسيادة سورية من لا يعلن دعمه لانتشار الجيش السوري شمالاً. وليس صادقاً أيضاً من يقدم هذا الانتشار كحصيلة تفاهمات بالتراضي يريد الانتقاص من حجم الإنجاز وتظهير الدولة السورية كطرف ضعيف الإرادة والمقدرات لا يتقدّم إلا مع الأضواء الخضراء ويتوقف عند الخطوط الحمراء. وكم من أضواء خضر هو مَن أشعلها ومن خطوط حمر أسقطها!