محاولة هز المساكنة في لبنان والعراق
غالب قنديل
يتضح من الحملات الإعلامية والسياسية التي تستهدف لبنان والعراق مدى الرغبة الأميركية الإسرائيلية في اعتراض مسار سياسي عبرت عنه مظاهر عديدة توحي بتصميم محور المقاومة على تصحيح علاقة الشراكة السياسية بين قوى المحورين في ساحتي المساكنة المبنية على تفاهمات داخلية نالت الرضى الأميركي على قاعدة انها اهون الشرور بعد استنفاذ مشاريع وخطط الهيمنة الشاملة على السلطة في البلدين.
المؤشرات التي تفسر هذه الفرضية في خلفية الأحداث وتفاعلاتها في بيروت وبغداد ترتبط بظهور حاصل سلبي لتوازنات المساكنة في البلدين من وجهة النظر الأميركية على مستوى الخيارات والمواقف فثمة قلق وانزعاج أميركي اكيد من تماسك الموقف الرسمي اللبناني من العدوان الصهيوني الأخير لدرجة صدور بيان عن مجلس الدفاع الأعلى يؤكد مشروعية حق الرد الذي قامت به المقاومة بعد العدوان وباسم لبنان وحيث بادر الجيش اللبناني بناء على قرار رسمي إلى فتح النار على الطيران الصهيوني المسير في سماء الجنوب وفي ذلك كان الموقف الرسمي للسلطات اللبنانية حازما في التعبير عن رفض قوي لمحاولة تغيير قواعد الاشتباك التي أرادها الكيان الصهيوني من غارة الضاحية بعد مراكمة آلاف الخروق والاعتداءات وبعد الرد الرادع رضخ مجددا.
لم يأت من الفراغ رد واشنطن بإيفاد مفوض العقوبات الاستعمارية بلنغلسلي ووضع الاقتصاد اللبناني والقطاع المصرفي خصوصا تحت ضغط العقوبات الترامبية القاتلة لدرجة تسريب معلومات عن لائحة تضم إحدى عشر مصرفا كبيرا وصغيرا تحت العين الأميركية الفاحصة في مناخ جريمة قتل بنك الجمال وإلحاق الأذى بمودعيه التسعين ألفا وتلك العين هي عين صهيونية اولا وأخيرا ولا هو من فراغ انزعاج الولايات المتحدة من الموقف اللبناني الواضح بلسان رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الذي يفضح هوية معرقلي عودة النازحين السوريين إلى وطنهم ويحملهم مسؤولية الضغط على سورية ولبنان معا وقد فهم في واشنطن تلويح الرئيس عون بالمبادرة إلى الحوار مع الحكومة السورية.
أما في العراق فمن الواضح تماما ان فتح الحدود العراقية مع سورية بعد طول تعطيل أميركي شكل إشارة غير مريحة إلى المخططين الأميركيين المتوجسين منذ تكليف السيد عادل عبد المهدي برئاسة الحكومة العراقية وهم يعرفون بالوقائع والمعلومات ان تلك الخطوة كانت نتيجة توازن سياسي داخلي جديد انتجته الانتخابات الأخيرة التي ادخلت في توازن السلطة العراقية اطرافا وفصائل معروفة برفضها للهيمنة الأميركية وبعضها شارك في القتال ضد الاحتلال لسنوات وساهم في تجربة الحشد الشعبي التي أسقطت غزوة داعش والقاعدة آخر فصل مهزوم في الحروب الأميركية على الشرق العربي.
هل تقود هذه المقدمات إلى استنتاج ان ما شهدته شوارع بيروت والعراق كان مؤامرة أميركية طبعا لا فتظاهر الساخطين ناتج دائما عن مقدمات موضوعية تتحمل مسؤوليتها السلطات التي تغفل عن اوجاع الناس ومعاناتهم وترضخ للوصفات الأميركية والغربية المسمومة اقتصاديا وسياسيا وفي كلي البلدين تراكمات كثيرة من علامات التأزم والمعاناة ومفارقات فقر زاحف وثراء فاحش بنتيجة صرف النفوذ السياسي واستغلال السلطة وبالتالي هل يصح الصمت على هذه المشكلات بذريعة الاستثمار السياسي الأميركي الرجعي المشبوه لفرض خيارات سياسية معاكسة ؟
التحصين الفعلي للخيارات الوطنية يكون بمبادرات وبرامج وخطوات عملية تطال الجذور الفعلية للمشكلات المتفاقمة وليس بخنق حشرجات الساخطين التي يسعى الأميركيون وعملاؤهم للنفخ فيها من اجل هز المساكنتين اللبنانية والعراقية وفرض الرضوخ للمشيئة السياسية الأميركية وهذا هو التحدي المطروح سياسيا على قوى محور المقاومة في لبنان والعراق على مستوى إدارة العلاقة مع شركاء المساكنة المحليين.