الصين الشعبية تسحق الخرافة الأميركية
غالب قنديل
ينصب اهتمام جميع مراكز التخطيط وصنع السياسات الأميركية على دراسة الخيارات والخطط الممكنة لاعتراض اندفاع الصين الشعبية السريع إلى مقدمة الدول العظمى اقتصاديا واستراتيجيا وقد نضجت في تجربتها قدرات ذاتية هائلة يصعب عرقلة نموها الصاعد اوتهشيم سمعة نموذجها الخاص في العلاقات الدولية المبنية على تكافؤ المصالح والتقيد باحترام سيادة الدول وتطلعات الشعوب في البحث عما هو مشترك بعيدا عن الهيمنة الاستعمارية التي جسدتها قرون من تعاقب الإمبراطوريات الغربية على الموقع القيادي في العالم بما جلبته من حروب وويلات وما فرضته من نهب للثروات واضطهاد للشعوب المستعمرة.
لقد شقت الصين طريقها نحو التقدم بعد انتصارها في حرب التحرر الوطني وانطلقت فيها بإرادة شعبية استقلالية حازمة مسيرة البناء الصعب في ظل الحصار الاستعماري الغربي والعقوبات الصارمة وعمليات الاستنزاف التي لم تنقطع.
بعد انتصار الثورة قدم الشعب الصيني العظيم نموذجه الخاص في الثورتين الزراعية والصناعية وفي عملية مراكمة الثروة وامتلاك التكنولوجيا الحديثة فكانت الثورة العلمية والتقنية هي القابلة الفعلية لتقدم قياسي في سرعته في بلد ضخم من حيث المساحة والسكان والثروات الطبيعية وبنظام اقتصادي اجتماعي متميز هو ما تدعوه قيادة الحزب الشيوعي الصيني الاشتراكية بالخصائص الصينية وقد ولد هذا النموذج ديناميات النمو والتطور الصيني المدهش في جميع المجالات.
استطاعت بلدان وشعوب كثيرة في العالم بقياداتها الثورية المتمردة على الهيمنة الاستعمارية أن تبني دولها المستقلة بإرادة تحررية حازمة وتفرض نفسها في معادلات القوة والتوازنات العالمية لكن للنموذج الصيني حكاية اخرى فقد انبثقت في هذه التجربة قوة عظمى متقدمة تستقطب اهتمام العالم وتنافس الإمبراطورية الأميركية وتهشم خرافة تفوقها في جميع المجالات فقد سحق الصينيون كذبة نهاية التاريخ مع انطلاق صفحات من التعدد القطبي في العالم ونفاذ القوى المناهضة للهيمنة الأميركية إلى مستويات متطورة من المنافسة في جميع مجالات التكنولوجيا والصناعة والقدرات العسكرية والديناميات السياسية.
تقدم النموذج الصيني في الإدارة العالمية على النقيض من النهج الإمبريالي الأميركي المكرس للنهب والهيمنة فالصين تتمسك بالعلاقات الندية المتكافئة التي تحترم الخصوصيات الوطنية للدول وللشعوب الأخرى وتبني جسور المصالح المشتركة وتتيح فرصا جدية لتطور إرادة الاستقلال والتنمية الوطنية في جميع شراكاتها مع دول العالم الثالث وهذا ما يمثل في عالم اليوم فرصة ثمينة لحركات التحرر التي تتلمس طرق الانعتاق من الهيمنة الاستعمارية الغربية والتخلص من اخطبوط الجشع الأميركي.
يمثل حضور الصين العالمي برهانا ساطعا على انتصار نموذج غني لحركات التحرر من الاستعمار في القرن العشرين ولكيفية تحقيق أعلى درجات التقدم العلمي والتقني وبناء قطب عالمي منافس للجبروت الاستعماري الأميركي والغربي وهو في حضوره يحتم احترام هوية هذه التجربة الفكرية والثقافية كما تعبر عن نفسها فهي البرهان على ان الشعوب ترسم طريق تقدمها بوسائلها الخاصة وان لا قوالب جاهزة للتطور التاريخي كما اوحت اكاذيب الدعاية الأميركية والغربية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي في حملة ثأر عقائدية شاملة من جميع الحركات التحررية في العالم.
مفارقة القدر ان يتزامن صعود النجم العالمي للصين مع صعود النموذج التحرري الإيراني واستمرار صمود كوريا وكوبا وسورية وعودة القوة الروسية العظمى وفي الآفاق شعوب ودول تتابع طريقها التحرري بقدرات ذاتية متطورة وبهوياتها الخاصة وتهشم تلك الخرافة وتمزق أشلاءها.
اننا في مخاض عالمي يذكرنا وبإلحاح بعبارة الرفيق ماو تسي تونغ باني الصين الشعبية ومؤسسها : دع ألف زهرة تتفتح … إنها سبعون عاما من الكفاح والتضحيات والتحديات تشهد لشعب الصين العظيم بقدرة أسطورية على تغيير التاريخ وتبرهن على قدرة قيادة الصين الخلاقة على شق طريق جديد للبشرية بعيدا عن الهيمنة الاستعمارية والنهب المتوحش والحروب اللصوصية التي استنزفت البشرية منذ قرون أعقبت قيام النموذج الرأسمالي الغربي المكرس لفرض الهيمنة والنهب اللصوصي حتى اليوم.