لماذا يريدون خنق المقاومة ؟
غالب قنديل
من السذاجة الفصل في منطقتنا بين الخطط والمصالح والتوجهات الأميركية الغربية والصهيونية فالتجارب التاريخية تثبت العكس تماما وعبثا تحاول بعض الأطراف السياسية اللبنانية تسويق وهم الفصل الافتراضي بين إسرائيل والغرب والتباهي بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وحكومات غرب اوروبا ومحاولة البرهنة على ان ذلك يصب في مصلحة لبنان ويسهم بحمايته من عدوانية الكيان الصهيوني واطماعه.
الكيان الصهيوني هو القاعدة العدوانية المتقدمة للغرب الاستعماري وهو ركيزة منظومة الهيمنة السياسية والعسكرية لنهب المنطقة والسيطرة على أسواقها وقد برهنت جميع الحروب والأزمات والمفاوضات المرتبطة بالصراع العربي الصهيوني على عمق الانحياز المطلق لكيان العدو في المواقف الأميركية الغربية.
نعيش تاريخيا في مرحلة سقط فيها أي وهم حول الفصل المحتمل بين الغرب والدولة العبرية على مستوى الخطط والمصالح بل على صعيد التفاصيل التي بلغت في العشرين عاما الماضية حالة من الانكشاف الكلي عبر بروز خيوط التشغيل الأميركية للكيان سياسيا وعسكريا والمثال صارخ في حرب تموز وما بعدها وكذلك في حروب غزة وفي يوميات العدوان الاستعماري الصهيوني الرجعي على سورية وفي خطط استهداف إيران والحرب الوحشية على اليمن.
شكل انتصار المقاومة في لبنان عام 2000 ودحرها للاحتلال الصهيوني زلزالا لمنظومة الهيمنة الاستعمارية على المنطقة ونموذجا جديدا وملهما لفاعلية المقاومة الشعبية في التصدي للاحتلال الصهيوني ولأي غزو استعماري مباشر او حرب بالوكالة يشنها الغرب الاستعماري ضد أي من بلدان المنطقة وكانت على الدوام لتجربة حزب الله ريادة هذا النمط الجديد من حركات التحرر الوطني وقدرات الدفاع الرادعة التي اكدتها معركة المنطقة ضد غزوة داعش والقاعدة التي حركتها الولايات المتحدة ودول الغرب بالشراكة مع الكيان الصهيوني وعدد من الحكومات العربية على مساحة المنطقة.
ما يريده المخططون الأميركيون هو قتل النموذج والمثال الذي فرض انقلابا في البيئة الاستراتيجية ومنع خروج لبنان من براثن الهيمنة الغربية والحؤول دون تصاعد استقطاب محلي يستجيب للمصالح الوطنية المشتركة مع سورية وإيران والعراق وصولا إلى الانفتاح على الشرق الكبير وقواه الصاعدة وفرصه الواعدة.
حزب الله في هذه المعركة هو القوة التحررية الحية صاحبة الإنجاز التاريخي بهزيمة الجبروت الأميركي الصهيوني التكفيري والتي تشكل نواة محتملة لجبهة شعبية سياسية قادرة على تعديل الاتجاه اللبناني نوعيا ومن هنا فإن منع هذا التحول واستباقه ووضع السدود في وجهه بالعقوبات ينطلق من محاولة خنق حزب الله ولبنان معا لوأد التطلعات التحررية الاستقلالية ولخنق بذرة التوجه شرقا لفرض الخضوع المستمر للهيمنة الغربية. لقد أرغمت التوازنات القاهرة عملاء الغرب على التعايش مع قوة المقاومة بعد انتصارها وإثر فشلهم في القضاء عليها رغم الحرب الأميركية الكبرى التي شنت عام 2006 ورغم الحرب الأميركية التي لا تقل خطورة والتي استهدفت سورية والعراق وإيران واليمن بواسطة عصابات إرهابية دعمها الحلف الغربي الصهيوني وأعوانه وعملاؤه في سائر انحاء المنطقة وفي لبنان بالذات.
كرس الغرب وعملاؤه في لبنان بواسطة النظام الريعي حالة شديدة من التبعية والخنوع ومن خلالها كان الانصياع للعقوبات التي استهدفت لبنان وقطاعه المصرفي وتكرست التبعية العمياء للغرب بينما تم رفض الحد الأدنى من التوازن في علاقات لبنانية متوازية ومتكافئة بين المحورين المتقابلين في المنطقة والعالم وكما قدم حزب الله امثولة في إمكانية كسر الخضوع للغطرسة الصهيونية يخشى الغرب الاستعماري ان ينجح في إنضاج خيار التوجه شرقا الذي تدعمه الجغرافية وعلاقات القربى والجوار والمصالح الاقتصادية الكبرى.
يعرف الأميركي جيدا مدى صلابة المقاومة وإرادتها العصية على الكسر وهو يخشى فعل جاذبية الشرق الكبير في ظل ارتفاع كلفة الارتهان إلى المعسكر الغربي التي لم تجلب للبنان غير مراكمة الديون وشبح الكوارث الزاحفة بسبب تدمير قطاعات الإنتاج وتخريب موارد الثروة التي يضاف إليها منذ سنوات استهداف تحويلات المغتربين اللبنانيين ومحاربتهم بسيف العقوبات ومطاردتهم بتهمة الإرهاب وبشبهة العلاقة بالمقاومة فالمطلوب هو فرض الخضوع لعبودية الهيمنة الأميركية الصهيونية الغربية المطلقة.
ليس المطلوب سوى خنق لبنان وقتل نموذج الصمود والانتصار لتأديب المنطقة برمتها ولمنع العصيان على مشيئة الاستعمار الغربي الصهيوني وادواته الرجعية في جميع بلدانها عبر إنزال القصاص بمن تحدوا تلك المشيئة وبادروا إلى رفع راية الصمود والمقاومة والتحرر.