كفانا تبعية… فلنعجن خبزنا بأيدينا رودولف القارح
ملاحظات أولية وسريعة حول كلام وسلوك السفير بيار دوكان «المفوض الساموي» الهابط على لبنان. ولكن وفق اية شرعية؟
اولاً، يطلب الفرنسيون من لبنان التقشّف وخفض عجز الميزانية (بغض النظر عن الضرورات التي نحدّدها نحن) فيما هم يصارعون ضد المفوضية الاوروبية للتفلت من قيود الـ3 في المئة كحد اقصى للعجز، وهو حدٌّ لا منطق اقتصادياً له بل هو اختراع ايديولوجي على اية حال. الكيل بمكيالين كالعادة.
ثانياً، يتصرّف دوكان وكأنه في بلد محتل، ووجب تذكيره بأن زمن الانتداب ولّى الى غير رجعة، وكل اشكال الوصاية مرفوضة وعلى رأسها الوصاية الاقتصادية.
ثالثاً، وبالمضمون، لماذا وضع مصالحنا في سلّة واحدة؟ لماذا الارتهان للطرف الغربي الاطلسي فيما الجميع يعرف ان اهدافه سياسية وليست اقتصادية، ولا يهمه مصير الشعب اللبناني ومستقبله في شيء، والا لماذا كانوا يطلبون من هذا الاخير تحمّل اعباء سياسات ساهموا وباركوا ورحبوا ودعموا منفّذيها (الاسماء والعناوين معروفة) طوال عشرين عاما, وهم يتنصّلون من مسؤولياتهم اليوم ويحاضرون بالعفّة.
رابعا، لماذا لا نبادر الى تنويع التعامل الاقتصادي ونستدير ولو جزئيا شرقا لفتح وتوسيع العلاقات الاقتصادية مع الصين والهند وروسيا وماليزيا الخ… ولماذا تأليه عملة واحدة (الدولار) بدل تنويع المصادر ومرجعيات التعامل.
خامسا، وذلك اضافة الى اطلاق مشاريع تنموية بالتكامل مع الدول المشرقية والخروج من العجز بمبادرات تطوير وبناء اقتصادي ايجابي منفتح، بدل اعتماد سياسات سلبيّة هي اشبه بـ«كل جلدنا» كالحيّة التي تلتهم ذنبها.
سابعا، القرارات «الشجاعة» الفعلية ليست تلك التي يدفع اليها دوكان وأمثاله البارعون في استخدام العبارات في عكس محلّها، بل الشجاعة الفعلية تتمثل بكسر الطوق السياسي – الايديولوجي – النفسي – الترهيبي الذي يحاول فرضه الطرف الذي انتدب دوكان الينا.
الاصلاح الفعلي هو بكسر الالة المحلّية الموروثة من عشرين سنة من التبعية للغرب الاطلسي في الرؤيا الايديولوجية وامتداداتها المالية تحت عنوان ان «هذه السياسة هي الوحيدة المتوفّرة على الساحة». وعلى رأس هذه المبادرات الاصلاحية انهاء «ولاية» (بالمعنى السيّئ للكلمة) حاكم مصرف لبنان الحالي وتعيين خلف له يستبدل (تحت اشراف وتوجيه السلطة السياسية ومؤسساتها السياديّة) السياسات المالية المرتهنة لاطراف الوصاية الغربية الاطلسية ولقطاعات اقتصادية ضيّقة جدا، بسياسات اقتصادية تنموية تضع الصالح الوطني العام هدفا لها (لا المصالح القطاعية الضيّقة)، لتوجّه وتوظّف القطاع المالي والسياسات المالية بما يخدم هذا الصالح العام والمجتمع اللبناني بصفته كلاً جامعاً، بدل تسخير هذا المجتمع خدمة للقطاع المصرفي-المالي الضيّق.
هل من يبادر؟