بقلم ناصر قنديل

هل لبنان غنيّ أم فقير؟: ناصر قنديل

– المناخ الذي يُشاع سياسياً وإعلامياً بشبه إجماع يريد أن يقول لنا إننا على أبواب الإفلاس والانهيار، وإن طريقنا الوحيد للبقاء على قيد الحياة هو فرض المزيد من الضرائب خصوصاً على الطبقات الفقيرة، كضريبة البنزين وضريبة القيمة المضافة الإضافية، وتسريح آلاف الموظفين تحت شعار تخمة القطاع العام، وتخفيض الرواتب أو تجميدها، وفرض ضرائب على رواتب التقاعد، أي ببساطة إعادة الاقتراحات التي سقطت بضغط الشارع من بوابة موازنة 2019 عبر شباك موازنة 2020 بقوة التهديد الخارجي بتخفيض التصنيف الإئتماني للبنان، أي التشكيك بقدرته على سداد ديونه لترتفع أسعار الفوائد على ديونه فينهار فعلاً ويفلس فعلاً.

 

– السؤال مشروع إذاً عن فقر لبنان أو غناه، والجواب طبعاً بالمعايير الواقعية بسيط عندما نتحدث عن الشعب والخزينة، فكل منهما ينوء تحت أثقال لا قدرة له على حملها. فالشعب فقير نعم والخزينة فقيرة نعم، لكن المفارقة هي أنه منذ انتهاء الحرب كان الشعب في حال مقبول وكانت الخزينة مثله، ولكن كانت المصارف ضعيفة القدرة والحول والطول ضئيلة الأرباح. وكان أغلب السياسيين الذين يتصدرون الحياة اللبنانية في أوضاع مالية عادية وبعضهم أقل من عادية، وخلال السنوات الثلاثين التي أفقرت فيها الخزينة والشعب، وصار ديننا العام يقارب المئة مليار دولار، صارت ثروات الشخصيات الخمسمئة التي تشكّل المرجعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مع الأرباح التراكمية للمصارف تعادل أكثر من مئة مليار دولار. ففي المال كما في الفيزياء، لا شيء يُفقَد، ولا شيء يولد من عدم، التحوّل سرّ الفيزياء، وتحوّل الثروة من.. إلى سر المال.

– الرهان على استرداد المال من أصحابه الجدد إلى أصحابه الأصليين عبث، فلا مخالفات قانونية رافقت عملية الانتقال للثروة، وإن وجدت فلا إثباتات على حصولها وتوثيق حجمها وآلياتها، لذلك نطرح السؤال مجدداً، هل لبنان غني أم فقير، فنجيب لبنان غني وفقير، اليوم الفقر على ضفة واحدة هي الشعب والخزينة، والغنى على ضفة واحدة هي الصف الأول والثاني والثالث في المجتمع والدولة والاقتصاد، من جهة، ومن جهة مقابلة الوطن. ويجب ألا يدعونا للاستغراب الحديث عن لبنان كوطن غني، والغنى هنا ليس محصوراً بما سيجنيه لبنان من عائد ثروته في النفط والغاز فقط.

– يكفي مثلاً أن نسأل أي خبير اتصالات دولي، كم تعادل قيمة امتياز حصري لتطوير واستثمار الحقوق الحصرية للدولة اللبنانية في قطاع الاتصالات لخمس وعشرين سنة مقبلة ليكون الجواب فورياً، ليس أقل من مئة مليار دولار، وعن إمكانية إيجاد شريك حكومي أو تجاري عالمي في هذا القطاع يشتري ويدفع نقداً ثمن ربع قيمة هذه الشركة التي يحصر بها الامتياز وتملكها الدولة ويبقى لها ثلاثة أرباعها، ويبقى دخل الدولة السنوي من القطاع على حاله بل يزيد، يجيبك الخبير بكل تأكيد ستتنافس هواوي الصينية وفرانس تلكوم الفرنسية وسواهما بشراسة على نيل الصفقة. ومثلها قطاعات أخرى يمكن تسييل بعض قيمتها الافتراضية وتشريك دول وشركات لتطوير قطاعاتها وإدخال أموال طائلة إلى الخزينة. وإن سألت خبيراً مالياً عن إمكانية توفير قروض ميسّرة للقطاع الاقتصادي وليس زيادة دين الدولة، بفوائد مخفضة تنعش الاستثمار والاقتصاد وتزيد حجمهما، أجابك بكلمة طبعاً ممكن.

المطلوب ببساطة من رجال الصف الأول والمصارف أن يفكروا بذلك، وبصفته باباً لزيادة ثرواتهم لكن لإنقاذ لبنان، استفيدوا دون أن تعتمدوا على خسارة الخزينة والشعب. فما عاد بمقدرتهم تحمل الخسائر، استفيدوا بفتح أبواب تنعش الاقتصاد وتعظم مداخيل الدولة، ولو تقاسمتم وكالات الشركات التي ستستثمر القطاعات الكبرى، ولو أضافت المصارف نسبة ربحية جشعة على الفوائد المخفضة فهي ستبقى ميسّرة تنعش الاقتصاد، فكروا بالشعب والخزينة مع مصالحكم لمرة بطريقة رابح رابح، بدلاً من تربطوا أرباحكم بخسارة الشعب والخزينة، وقد صارا على الحديدة كلاهما، كما يُقال، وإن بدأ النزيف الكبير فلن يبقى لكم شيئاً أنتم أيضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى