مقالات مختارة

بعضُ اللبنانيين مع استراتيجية دفاعية مُجردةٍ من السلاح!!: د. وفيق ابراهيم

تتواكب عودة رئيس الحكومة سعد الحريري من الولايات المتحدة الأميركية غانِماً مؤزراً كما يقول مع ارتفاع أصوات السياسيين اللبنانيين الموالين له بضرورة إعداد استراتيجية دفاعية تتعامل مع المستجدات في الإقليم بأسلوب جديد، ما دفع للاعتقاد بنمو مشاعر وطنية مباغتة عند أحزاب المستقبل والقوات والكتائب وبعض الاشتراكيين المصابين بتعثرٍ مفاجئ في الفصاحة على جاري عاداتهم.

 

إلا أنّ تدفق التصريحات المعنية عمّم خيبة أمل مضاعفة من إمكان التوصل الى تفاهمات لبنانية في قراءة المخاطر التي تتهدّد لبنان، حتى بدا أنّ هناك كلمة سرّ تسلّمتها رؤوس «فرقة الدبكة» وتقوم على نقطتين لا ثالث لهما: الأولى هي ضرورة حصرية السلاح بيد الجيش والثانية حيادية لبنان عن كلّ النزاعات في الإقليم من سورية حتى اليمن والكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.

فهل لهذه الشروط علاقة بنتائج زيارة الحريري الى الولايات المتحدة؟

التقاطع في التوقيت بين الزيارة «الغانمة» والمؤازرة للسعد وارتفاع أصوات «دبيكة» واشنطن اللبنانيين لا لبس فيها، خصوصاً أنهم يشكلون حزبه المستقبل وتحالفاته في الأحزاب الاخرى، فلا يمكن لهم ان يتفوّهوا بما يربكه ويُحمِله مواقف لا طاقة له على تمريرها او حتى مجرد طرحها في هذا الوقت بالذات.

يمكن إذاً اعتبار ما يجري شروطاً أميركية سرّبها «السعد» الى حلفائه كي يناقشوها في وسائل الاعلام فتحدث صراعاً داخلياً بين فريقين: فريق حريري سعودي أميركي يزعم انه يريد إنقاذ لبنان بتحييده عن صراعات الاقليم، بما يؤمّن لأهله ازدهاراً اقتصادياً. وفريق آخر هو حزب الله الذي يقاتل في الاقليم عسكرياً وسياسياً محتمياً بقوته وتحالفاته متسبّباً بالتراجع الاقتصادي حسب ادّعاءاتهم.

لا بدّ في المنطلق من تحديد مصادر التهديد على لبنان فيتبيّن فوراً انه الكيان الاسرائيلي الطامع بالمياه والارض اللبنانيتين في مناطق الجنوب والذي ظل يعتدي على لبنان بغارات صغيرة وصولاً الى حروب صغيرة واجتياحات بجحافل ضخمة وصولاً الى احتلال لجنوب لبنان من 1982 وحتى 2000 تاريخ اندحاره بمقاومة حزب الله معاوداً الهجوم في 2006 الا انه انسحب تحت ضغط أعنف مقاومة صنعها الحزب على الارض اللبنانية.

تؤرّخ هذه الهزيمة الإسرائيلية لبناء موازنات قوى جديدة، حرمت «إسرائيل» من تنفيذ اي هجمات حتى الابسط منها، وذلك للوجود الجهادي لحزب الله في جنوب لبنان وبعض المناطق الأخرى.

أما الجيش اللبناني فهو كلاسيكي تقليدي يعمل فوق الأرض ويحتاج لمنظومات دفاع جوي وبحري وأسلحة برية ملائمة ليست بحوزته بسبب حظرٍ أميركي منع لبنان من استيراد سلاح من ايّ دولة محتكراً مسألة تزويده بسلاح للزوم الشرطة والأمن الداخلي ومعظمها هدايا أميركية مقصودة.

فجاء هذا الحظرُ لخدمة «إسرائيل» التي تواصل انتهاك الأجواء اللبنانية ولولا إمكانات حزب الله البرية والبحرية لكانت الهجمات الاسرائيلية على لبنان متواصلة.

للتنبّه فقط فإنّ حزب الله اكتفى بسياسة دفاع عسكرية حتى الآن لم يبادر فيها ولو لمرة واحدة الى شن هجمات آخذاً بعين الاعتبار الامكانات اللبنانية المحدودة والاقتصادية المعتمدة على الخارج.

هناك إذاً جيش وطني جداً، لكن المنع الأميركي يحول دون تسليحه، في المقابل لدينا مقاومة مسلحة لا تعكس نجاحاتها العسكرية على الوضع السياسي الداخلي في البلاد. بما يدفع الى البحث عن استراتيجية دفاعية مزدوجة تقوم على إمكانات الجيش اللبناني المدعوم من حزب الله والشعب اللبناني العظيم ايّ المعادلة الذهبية التي تقوم على الشعب والجيش والمقاومة.

ماذا تعني إذاً دعوة الحلف الحريري السعودي الأميركية بحصرية السلاح بيد الجيش وضرورة تفرده بالدفاع عن لبنان؟

بقراءة التوازنات العسكرية تبدو هذه الدعوات مشبوهة، لأنّ هناك مطامع إسرائيلية مكشوفة بجنوب لبنان، وخصوصاً بمياه الليطاني التي كشفت وثائق الخارجية الفرنسية عن رسالة من بن غوريون رئيس وزراء كيان العدو الى الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول يقول فيها: «أناشدكم في الدقيقة الأخرى ان لا تحرمونا من نهر الليطاني». وهذه وثيقة حقيقية موجودة وكيف ننسى تلك العروض الاسرائيلية التي حملها أوروبيون وأميركيون إلى سياسيين لبنانيين تعلن استعدادها لاستئجار نهر الليطاني لمدة مئة عام بالسعر الذي يحدّده اللبنانيون وردت هذا العروض في مرحلة الاحتلال الاسرائيلي للبنان وقبلها، وما كان ذلك ممكناً لتنامي قوة المقاومة وقوة المقاومة فقط.

لذلك فالمطالبات باستراتيجية دفاعية مسألة ضرورية انما على أساس التعامل مع المخاطر وليس التغافل عنها وإعلان ضرورة المساواة بين عدو اسرائيلي يعتدي علينا منذ 1948 ولم يتوقف إلا بالقوة منذ 2006 لكنه لا يزال يهيّئ نفسه لاعتداءات مقبلة، وبين دولة سورية لم تعتدِ علينا مرة واحدة منذ سلخ لبنان عنها بقوة الاستعمار الفرنسي، وتفتح لنا حدودها وتعاملنا بأخوة متميّزة، فكيف يتجرأ بعض اللبنانيين على المطالبة بقوات عسكرية لبنانية تنتشر على حدود سورية لتمنع اي تنسيق سوري لبناني في وجه الارهاب والعدو الإسرائيلي؟

وكيف يطالبون حزب الله بعدم القتال في سورية وهو الذي حارب الإرهاب في كامل ميادين سورية وجبال لبنان الشرقية بما يكشف ان هذه المطالبات ليست إلا أوامر أميركية حملها معه الحريري في حركة لها هدف حصري وحيد هو النيل من الدور الجهادي الكبير لحزب الله المناهض للنفوذ الأميركي والكيان الإسرائيلي.

وهناك اتجاه أخطر يلعبه أصحاب هذا الطرح الخطير وهو الإصرار على هذه الاستراتيجية مقابل موافقتهم على تأمين إصلاحات في النظام الاقتصادي قد تعيد له الازدهار، وإلا فإنهم لن يتضرّروا اذا ما أصيب لبنان بانهيار اقتصادي لأنهم يعتقدون بقدرتهم على اتهام حزب الله بالتسبّب به، مع ربطهم بمساعٍ أميركية للنيل من المغتربين اللبنانيين في الأميركيتين الشمالية والجنوبية وبعض بلدان الخليج، ولإرباك حزب الله يمكن للغربيين التذرّع بالخشية من «ازدهار» حزب الله المزعوم كسبب لطردهم.

فهل يجرؤ لبنانيو أميركا والسعودية على تنفيذ هذا المخطط ومعظمهم يعرف أنه فاشل وبشكل مسبق؟

هناك شائعات انّ الحريري يحتاج الى تبرير داخلي ليعلن للأميركيين عجزه عن تطبيق المطلوب منه، وهذا يتطلب تريثه قليلاً حتى مرحلة إعلان تحالفاته السياسية أنها عاجزة عن عرقلة حزب الله أو اتهامه بتخريب اقتصادهم الذين سرقوه وأوقعوه في ديون تفوق المئة مليار دولار، ويذهبون نحو المزيد من الديون لسرقتها عبر مؤتمر سيدر وأشباهه.

(البناء)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى