رحلة في مؤشّر الثقة حيّان سليم حيدر
دائمًا ما تردني ردود وتعليقات على كتاباتي من مهتمّين بالشأن العام ومتابعين وأيضًا من بعض المسؤولين الحاليين منهم والسابقين. هذا مع حرصي الدائم على مزج ما بين الجدّي من الكلام بالطريف الساخر بالسؤال الإستشراقي ! فالعنوان والنصّ والمعلومات والوقائع كما الإقتباسات لها فرادتها. والأسلوب وحتى التأريخ والتوقيع والصفة الذاتية والهوامش والتبريرات كلّها قد تدعو للتفاعل.
على أن نظرتي النقدية التشاؤمية طغت على ما سواها ممّا دعا بعض الأصدقاء الى التمنّي عليّ بالتحلّي ببعض التفاؤل … فلا بدّ من أن تتغيّر الأمور والحكّام والعباد وبالتالي الأوضاع.
إرتأيت أن آخذ بهذه النصيحة في آخر مقال صدر لي بعنوان “نفق البقاع: الثالثة ثابتة” فوقّعت المقالة بصفة “مواطن عائد الى فسحة الأمل” بعد التمني بأن تكون الثالثة ثابتة، أي أن نرى النور في آخر نفق البقاع مشروعًا منفّذًا بعد ستين ونيف من سنيْ المطالبة به.
وبأسلوب علمي، رأيت أن أُجري إستطلاعًا للرأي، ولو بالعيّنة التي وردتني، عن ردود قرّائي لأستفيد من آراء الناس وأسبر غور إهتماماتهم وبالتالي أُفيد بدوري من يريد في عالم رصد توجّهات الناس في احتياجاتهم وآمالهم وثقتهم بالبلد، حكّامًا ومستقبلًا. عادة ما أرسل مقالاتي الى مئات من القرّاء بالوسائل “الفضائية”، أفرادًا ومجموعات، وأستلم عشرات الردود.
فمنهم من علّق.
فيما يأتي نماذج من الردود (كما وردت) على إقرار مشروع نفق البقاع (وأكثرهم بقاعيون بالطبع هذه المرة):
– إن شاء الله (تكرّرت 4 مرّات).
– أؤكّد لك يا عزيزي أنّه لن يراه أحفاد أحفادنا إن بقي لبنان بلد. وطالما الطائفية المذهبية تحكمه …
– لن تقوم قائمة لهذا البلد طالما حكّامه ميليشياته وحراميه.
– البقاع بالقلب والحسرة على كلّ لبنان.
– كلّ ثالثة وأنت بخير.
– فسحة أمل … ولكن ثقة مفقودة …
– ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟؟ (وهي عبارة تتكرّر تعليقًا على معظم كتاباتي) أو نقول يا حيّان. ذكّر إن نفعت الذكرى.
– شكرًا يا دكتور على أملك في تنفيذ هذا الحلم لكنه سيبقى حلمًا دون تحقيق كغيره من الأحلام البقاعية. بالأمس القريب ضجّت المواقف المواقع الإلكترونية بخبر إنارة طريق ضهر البيدر وهو أمر بسيط. هلّل الناس للنائب الذي تبرّع بإنارة الطريق على نفقته ولم يمضِ أيام قليلة على الفرحة والتهليل حتى عادت حليمة لعادتها القديمة وتبخّرت أحلام الفرحة. شكرًا يا دكتور على أملك نأمل أن يتحقّق في زمن أحفادنا.
– لو بيحسبوا من الخمسينيات وحتى اليوم الفارق الإقتصادي والإنمائي في حال نُفِّذ في حينه !
– جميل جدًّا صديقي الفذً. إلّا أنّي على ثقة أن الثالثة لن تكون ثابتة وحتى لو تقرّر المشروع أو بدأ تنفيذه، فهو لن يصل الى خواتيمه. على كلّ حال الحلم جميل، فدعنا نحلم إلّا أنّ بعد الحلم مرارة اليقظة.
– الله يحقّق آمال الجميع إن شاء الله.
– ما يهمّك، المشاريع عنا على نار حامية. لكن ليش دايمًا بتحترق ؟؟
– تحليل رائع لواقع سياسي وإنمائي رديء من زمرة سياسية حاكمة همّها النهب والسمسرة لا أكثر من تعليق.
– ما الذي أعادك الى فسحة الأمل بالله عليك ؟
– إن شاء الله خير.
– يا صديقي حيّان .. مهلًا مهلًا لا ينقطع منك النفس فأنك تنفخ في رماد … لا ثالثة ثابتة ولا رابعة بعد الأربعين !! لا شيء في هذا البلد ثابت إلّا الطائفية السياسية التي تنهش أحشاءه منذ أن قال له المستعمر الفرنسي كُنْ فكان “لبنان الكبير” لغايات في نفس الفرنسيّين لبّت مصالحهم ولم تلبّ مصالح البشر الذين احتواهم هذا ال”لبنان الكبير”.. منذ ذلك الوقت واللبنانيون يشكون واقعهم المزري ويندمون وينقون على غير طائل .. إنّهم شعب قاصر.. والقاصر في القانون يحتاج الى وصي يقوم عليه ويرعى مصالحه حتى يبلغ سنّ الرشد.. ولا رشد مع الطائفية السياسية… ننتظر تطورات الإقليم حتى نتعرّف على الجهة التي سيفوض اليها الوصاية على هذا “اللبنان الكبير” الذي لم يكبر كفاية ليبلغ سنّ الرشد بعد !!
– أحسنت. (ثم لدى سؤالي: لا أعلم بما أحسنت .. جاء الجواب أحسنت بالتذكير أنه مطلب تاريخي (ليس إلّا).
ومنهم من ينتظر (للتعليق).
وبالخلاصة، لم تردني أية ملاحظة تشير الى التفاؤل الذي كنت أُعَيَّر على تغييبه. وعلى غرار نشر نتائج إستقصاءات الرأي لمراكز الدراسات والأبحاث يمكن إستنتاج أمرين مصيبين (مصيبتين بالأحرى):
الأول: هذا هو مؤشّر ثقة اللبنانيّين بمسؤوليهم (رؤساء وحكومة وبرلمان وإدارات ومؤسّسات عامة الخ..)،
الثاني: هذا هو منسوب التفاؤل بمستقبل البلد.
وعليهما سيُبْنى الشيء، لا بل الأشياء، في البلاد … في الداخل (المُعْتِم) والخارج (… وانْخلي يا مؤسّسات التصنيف العالمية !). (*)