هل يمكن التصدي للعقوبات الأميركية؟
غالب قنديل
مما لاشك فيه إن العالم بأسره يئن من ضراوة الضغوط التي تمارسها الإمبراطورية الأميركية في العالم من خلال العقوبات المصرفية والتجارية التي تولد اختناقات هائلة في بلدان عظمى كالصين وروسيا وإيران ولامجال للمقارنة بين مقدراتها الاقتصادية وحالة لبنان التابع للغرب والغارق في الديون والمستنزف تكوينيا باقتصاد استهلاكي سحقت فيه قطاعات الإنتاج وصودرت فرص نموها تاريخيا كما تعرضت موارد الثروة الطبيعية لتدمير منهجي وبات إحياؤها بذاته مهمة شاقة ومكلفة.
الصحيح علميا وصف منظومة العقوبات بالاستعمار المالي الأميركي كما ورد على لسان الرئيس ميشال عون وهو ما يستدعي نقاشا حول فرص التحرر من هذا الاستعمار وفي سبل مقاومته من موقع استقلالي وطني تحرري ولكل مقاومة كلفة مستحقة ينبغي تحملها كما برهنت وتبرهن تجربة لبنان في النضال ضد العدوان الصهيوني.
الخطوط الرئيسية لخيارات الدول المستهدفة بالعقوبات في مقاومة الهيمنة الأميركية واستعمارها الاقتصادي العالمي تفيد بضرورة اتباع مجموعة من الخيارات :
اولا تنويع سلة العملات الأجنبية المعتمدة في العقود التجارية والمعاملات المصرفية بحيث يجري كسر احادية الارتباط الاقتصادي بالدولار داخليا وخارجيا وكل تراجع للدولرة في السوق المحلية سينعكس تعزيزا للنقد الوطني وهذا يتطلب تدابير حكومية صارمة تضع حدا للدولرة وتحفز التعامل بالليرة اللبنانية.
إن كل تعامل خارجي بعملة غير الدولار يضعف القبضة الأميركية المالية والاقتصادية وهذا يتطلب شراكات تجارية جديدة بالتوجه شرقا من خلال علاقات مباشرة مع الصين وروسيا والهند وإيران وفنزويلا وتحرير العقود الحكومية والخاصة بالعملات الوطنية لهذه الدول وبالليرة اللبنانية واعتماد طرق للحوالات المصرفية والاعتمادات خارج السويفت الأميركي الخاضع للرقابة والتحكم من بنك الاحتياط الفدرالي ووزارة الخزانة الأميركية وكلما توسعت مساحة الشراكة التجارية والمالية من خارج حلقة الدولار الخانقة يكون قد تم تقليص تأثير العقوبات.
ثانيا الاتفاق مع شركاء في الشرق واميركا اللاتينية على قنوات مالية ومصرفية خاصة لتحويلات المغتربين اللبنانيين واستثماراتهم وهذا امر من المتاح الاتفاق عليه مع جنوب أفريقيا وفنزويلا والصين وروسيا بحيث تتحرك كتلة الودائع المالية للمغتربين اللبنانيين إلى مصارف هذه الدول لقاء تسهيلات خاصة تحصل عليها لحسابهم السلطات اللبنانية وبما يخرج ثروات الاغتراب اللبناني من قبضة العقوبات ويتيح إعادة توظيفها في الوطن.
وهذا يتطلب تحركا منهجيا ودقيقا من جانب السلطات اللبنانية ينطلق بقرار سيادي بوضع الاغتراب تحت حماية السيادة الوطنية ضد العقوبات والافتراءات الأميركية الصهيونية الغربية التي تطارده من عقود طويلة بدلا من الصمت على هذا الملف وتركه لاجتهادات الشطارة الفردية التي قد تفلح احيانا وغالبا تنتهي ببعض المغتربين المعتدى عليهم في السجون أو بالإفلاس القهري وسط صمت واستسلام الحكومات اللبنانية المتعاقبة واحيانا بتواطؤ بعض الجهات اللبنانية بدافع التنكيل السياسي والطائفي بالمقاومة ومناصريها.
ثالثا يجب الانتقال إلى العمل على خطط تنمية وطنية شاملة بتقوية الصناعة والزراعة والخدمات والسياحة واقتصاد المعلوماتية بصورة مكثفة تستثمر المزايا التنافسية المتاحة وتعزز مواقع القوة وتنهض بها والأمر يتطلب عملا منهجيا يشمل تنقية الانهار وتنفيذ السدود وقنوات الري والسكك الحديد ومصافي النفط والنقل العام وتقديم حوافز مالية وضريبية ومصرفية لتطوير النمو الصناعي والزراعي والسياحي وفقا لرؤية جديدة تواكب التحولات الجارية في العالم والمنطقة.
رابعا ينبغي تعلم حقيقة ان تنمية الثروة الحقيقية بناء على الإنتاج واستثمار المزايا المناخية والجغرافية والكفاءات العلمية والإنسانية المتميزة لابتكار وظائف اقتصادية إقليمية استقطابية هو السبيل لتعزيز استقلال الإرادة الوطنية وهذا يرتبط بصيغ لا غنى عنها للتكامل الإقليمي كما تفيد تجارب دول عديدة في العالم سواء بشراكة الموارد والأسواق مع الجوار القومي والإقليمي ام بالشراكة مع الشرق الكبير وأسواقه الواعدة دون التخلي عن المزايا الفعلية التي تخدم المصالح الوطنية في الشراكة مع الغرب والخليج .
رب قائل ومن سينفذ هذه التدابير؟ وهنا نعود إلى نقطة الانطلاق وهي بناء الإرادة الوطنية المقاومة على صعيد السلطة السياسية وهومضمون نضال ندعو إلى خوضه داخل مؤسسات السلطة ومن خارجها بوسائل الضغط الشعبي وصولا إلى الغاية المنشودة.