نحو هيئة الحوار الوطني سريعاً: ناصر قنديل
– لم تعد تنفع المكابرة بادعاء أن الدولة بمؤسساتها الدستورية قادرة على العمل. فالتعطيل صار هو الطريق الوحيد لتفادي الأسوأ، وهذه أخطر مراحل التداعي في بنيان الدولة ومؤسساتها. فالخلاف حول فهم كيفية تطبيق اتفاق الطائف والدستور بمادته 95 التي تنص على قواعد العمل بالمرحلة الانتقالية قبل تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وقبل بلوغ مرحلة إلغاء الطائفية، بات علنياً، رغم محاولات مستمرة للتستر على وجوده طوال سنوات، لكن ما اثارته المادة 80 في الموازنة حول حفظ حقوق الفائزين في مباريات مجلس الخدمة المدنية، ورفض الأخذ بها من فريق رئيسي يمثله التيار الوطني الحر ويدعمه رئيس الجمهورية، يعني أن المخرج الراهن بنقل الملف إلى موازنة 2020 أو بتقديم اقتراح قانون لتعديل الموازنة، ليس إلا تأجيلاً للمشكلة التي لا تحل إلا على أعلى مستويات الحوار الوطني.
– إلى جانب هذه المشكلة التي تجرجر أذيالها مع كل عملية توظيف في الدولة، تحت عنوان التضارب بين المباراة المفتوحة بين المتبارين والدعوة للتوازن الطائفي، في فئات وظيفية دون الفئة الأولى، نص الدستور على استثنائها من التوزيع الطائفي، مع احترامنا للرأي المخالف الذي يقدم تفسيراً غريباً للنص الدستوري يربط ذلك بالبدء بإجراءات إلغاء الطائفية. هناك ما أظهرته حادثة قبرشمون من تصادم في المواقع والرؤى لمفهوم المصالحة في الجبل، والعيش المشترك، ولكيفية التعامل مع نتائج الانتخابات التي جرت وفقاً لقانون قائم على التمثيل النسبي أظهر التعدد السياسي في الطوائف، ولا يحتاج المرء لكثير علم ومعرفة ليستخرج من سطور وكلمات المواقف التي صدرت في أعقاب الحادثة أن القضية تتصل مباشرة بحرية العمل السياسي للأحزاب وحتى للنشاط الذي يقوم به الوزراء في منطقة الجبل تحت شعار البيت والأبواب والشبابيك، كما تتصل بنظرتين مختلفتين لطبيعة العلاقة بين مكوّنين رئيسيين في الحياة الوطنية للجبل هما الدروز والمسيحيون، حيث المصالحة تقف عند حد التسليم بمرجعية طائفية للجبل من ناحية، ومقابلها باعتبارها ناقصة ما لم تتبعها في كل أوجه العيش ندية وتكافؤ بما هو أبعد من المساواة اللفظية أو الإعلامية، وبالتالي بين جهة تعتبر أن منجزاتها في الحرب يجب تكريسها في السلم، وجهة تعتبر أن ما كان في التطبيق السابق لاتفاق الطائف قد انتهى وأن زمن الحضور المسيحي يجب أن يترجم في الجبل، وبالتوازي بين جهة تعتبر الشركاء في الطائفة مجرد صوت لجهة خارجية لا يعترف بحقه بالشراكة المتكافئة، وبين جهة تعتبر وجودها تعبيراً عن حضور تاريخي وشعبي من جهة، وتعتبر الرهانات الإقليمية الخاسرة لمن كان يقود الطائفة سبباً لشعوره بالغضب ومحاولته تعويض الخسارة باستباق نتائجها محلياً.
– فوق كل هذا يتدرج الأميركيون ومعهم حلفاء عرب في تشكيل مناخ وبيئة لبنانيتين ضاغطين على حزب الله بهدف محاصرته، عبر عنهما الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة بعد لقاء الملك سلمان بن عبد العزيز ضمن وفد رؤساء الحكومات السابقين، بقوله إن المطلوب الفصل بين حزب الله والدولة. وهذا يعني تعريض الوضع اللبناني لمخاطر وتهديد لاستقراره واستقرار الحكومة وسائر المؤسسات الدستورية، حيث نواب ووزراء لحزب الله يشاركون فيها، بينما يجري تصعيد مناخ سياسي طائفي ومذهبي تحت عنوان صلاحيات رئيس الحكومة في ضغط على رئيس الحكومة سعد الحريري داخل طائفته يستعيد الأهداف ذاتها التي كانت وراء احتجازه في السعودية قبل عامين.
– تحت تأثير هذه العوامل تضعف مبادرات الدولة ومؤسساتها، وتضعف هيبة الأمن والقضاء، وينتشر التفلت وتصير المشاكل كلها قابلة للتراكم من النفايات إلى الأحداث الأمنية كالتي أودت بحياة مواطنين أبرياء في حادث يندى له الجبين في بلدة يونين في قضاء بعلبك، فيتّجه هيكل الدولة للتفكك ويتجه البلد للسقوط، وإذا لم يكن كل ذلك سبباً للدعوة العاجلة لهيئة الحوار الوطني التي يترأسها رئيس الجمهورية ويشارك فيها رئيس المجلس النيابي ورئيس الحكومة والزعامات السياسية والحزبية، فمتى يكون ذلك مجدياً ومتى يكون ضرورياً؟