نظام المجلسين هو المدخل الواقعي
غالب قنديل
حبس اللبنانيون انفاسهم ووضعوا أيديهم على قلوبهم بعد حادثة قبر شمون التي نقلت إلى الشارع وبالرصاص احتقانا سياسيا ناتجا عن منافسة معلنة على المواقع والأحجام والأدوار في ظل تذمر السيد وليد جنبلاط من نتائج الانتخابات النيابية وقانونها الذي لاقاه بامتعاض وقبله على مضض وهذا القانون في الواقع تميز بشطب الأساس السياسي والقانوني لاحتكار التمثيل الطائفي في النظام باعتماد نسخة خاصة من النسبية.
انتهى بعد الانتخابات النيابية واقع ما بعد الطائف الذي كرس مواقع احتكارية لصالح التعدد السياسي في قلب الطوائف وهو ما انهى الأحادية السياسية التي تربعت عليها جهات وزعامات كان أبرزها السيد جنبلاط الذي حظي بدعم كامل من فريق الملف اللبناني في سورية الذي تبنى آراء جنبلاط ومطالبه بالمطلق خلافا لاتفاق الطائف فجرى تفصيل الدوائر الانتخابية في جبل لبنان على هواه وخرقت القواعد النظرية المعلنة لعدالة التمثيل وأعطي جنبلاط دورا حصريا في طائفته على حساب الزعامات والقوى الأخرى بالتوازي مع شطب منافسي الرئيس الراحل رفيق الحريري ومعارضيه في الطائفة السنية بينما جرى تهميش القوى الوازنة في الشارع المسيحي لصالح توليفة نسجت باطراف وجهات توزع ولاؤها أساسا بين المختارة وقريطم وبكركي ما خلا بعض القوى الحليفة لسورية التي شاركت في الاتفاق الثلاثي كتيار المردة والحزب القومي والوزير الراحل الياس حبيقة وحزب الكتائب برئاسة الوزير الراحل جورج سعادة.
لابد من استحضار هذا الإطار العام لحقبة ما بعد الطائف في معاينة ما يحمله المشهد السياسي من توترات منذ سنوات مع تعاظم الحضور الشعبي والسياسي الوازن لكل من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية سواء من خلال المنافسة والمشاحنات المحتدمة سياسيا وشعبيا بين الفريقين المتنافسين على التمثيل المسيحي او لفهم الدينامية الخاصة لرئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الساعي بقوة لتثبيت قواعد واعراف جديدة تحت عنوان استرجاع الحقوق أي رد الاعتبار لصيغة الشراكة المسيحية الكاملة في الطائف التي تعرضت لإختلال منهجي في المرحلة الماضية وفي سعيه إلى “استرجاع الحصة المسيحية في نظام الطائف” يشبه التيار والوزير جبران باسيل ما كان عليه الرئيس نبيه بري بعد انتفاضة السادس من شباط وتسوية جنيف ولوزان ودخول حركة امل في شراكة الحكم بعد عقود من التهميش والإبعاد.
تقف هذه المسألة خلف العديد من المواقف التي يعتبرها البعض استفزازية وهي خلفية الاعتراضات المتكررة التي حركها التيار حول التعيينات ومواقع التمثيل والأحجام ودون شك تشوب بعض المواقف لغة متطرفة احيانا نتيجة احتدام المنافسة مع القوات والرغبة بحسم مرجعية التمثيل وتاكيدها بالوقائع.
يتضح مما تقدم ان المخرج الواقعي من حالة الاحتقان المتفاقم ومنع انتشار التوترات وتحولها إلى خطر جدي يهدد السلم الأهلي ويولد حلقات مستمرة من المشاكل التي تغرق السلطة السياسية لدرجة تعطيل الحكومة كليا كما جرى مؤخرا يتمثل فقط بالعودة إلى اتفاق الطائف وبتحرير آليته المعطلة والممنوعة التي تتيح احتواء الانقسامات والعصبيات وتحول دون تهديد الوحدة الوطنية والسلم الأهلي اللذان يتفق الجميع ولونظريا على ان حمايتهما ضرورة للتمكن من الصمود في مجابهة التهديد الصهيوني الدائم والتعامل مع ازمة اقتصادية مالية خطيرة تقرع اجراس إنذار كثيرة خوفا من تفاقمها وانفجارها في ظل ضغوط اميركية متواصلة غايتها فرض وصاية على القرار السياسي للسلطة اللبنانية وعلى خياراتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية اقتصاديا وسياسيا.
العيب الرئيسي في مرحلة ما بعد الطائف ليس فحسب “وضع اليد على التمثيل المسيحي ” وفق ادبيات التيار بل جوهريا هو تعطيل المادة 95 من الدستور وعدم الانتقال منذ عام 1996 أي في الدورة الانتخابية الثانية اللاحقة لإعلان حل الميليشيات ونزع سلاحها بتشكيل الهيئة العليا لإلغاء الطائفية السياسية وبسن قانون دستوري يدشن تطبيق نظام المجلسين بانتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي ومع اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة بالنظام النسبي ومجلس شيوخ ينتخب على أساس النظام الأكثري ويراعي التمثيل الطائفي بالقواعد المنصوص عليها في الطائف وهذا النظام الدستوري هو الوصفة المناسبة لتدشين مسيرة الانتقال من نظام التقاسم والتوتر الدائم المتجدد او ما يسميه البعض بالحرب الأهلية الباردة إلى محاولة جدية لبناء دولة وطنية مستقلة ومستقرة تخرج البلد من استقطاب العصبيات وتشنجها.
إن تثبيت السلم الأهلي ومنع مسار الخضات والاضطرابات ومحاصرة خطر انفجارها في الشارع ومنع التوظيف الخارجي لعوامل الاحتكاك الداخلية المتعددة الظاهرة والكامنة يفترض إتمام هذا الانتقال المؤجل إلى قواعد جديدة في بنية النظام السياسي بما يؤسس لتحول كبير في الحياة الوطنية وتنبغي الإشارة إلى ان فتح النقاش من الان حول قانون الانتخاب الجديد يمثل فرصة لاقتراح الانتقال الفوري نحو نظام المجلسين بعد كل التعطيل والخرق المتعمد للدستور ولاتفاق الطائف الذي دام وتمادى منذ العام 1992.