بقلم غالب قنديل

لذكرى يوليو وعبد الناصر

غالب قنديل

تحل في اواخر تموز ذكرى ثورة 23 يوليو 1952 وانطلاق زعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي قاد نهوض حركة التحرر الوطني العربي انطلاقا من مصر وطرح أفكارا جديدة في منتصف القرن العشرين كانت يومها صياغة قومية  لمشروع تاريخي ينطلق من إنهاء السيطرة الاستعمارية وتوحيد الوطن العربي في دولة قومية واحدة وتبني قضية تحرير فلسطين والصراع ضد الكيان الصهيوني والأحلاف الاستعمارية في المنطقة وقد حقق عبد الناصر بصورة خلاقة وانطلاقا من خصائص التجربة الحية ربط التغيير الاجتماعي الاقتصادي الداخلي في مصر بالتحرر الوطني من هيمنة الاستعمار الغربي رغم قسوة الحصار والحرب الضروس التي شنتها ضده الرجعية العربية التابعة تتقدمها المملكة السعودية وعلى الرغم أيضا من الخلل الخطير الذي شاب مواقف قوى وطنية وقومية عديدة في البلاد العربية ناكفت الناصرية من مواقع ذاتية فئوية بدلا من التوحد معها حول الأهداف القومية المشتركة.

 

إن مفاهيم كالاشتراكية والعدالة الاجتماعية ومقاومة الهيمنة الغربية بوصفها سيطرة لصوصية على بلدان العالم الثالث والعداء للصهيونية ورفض المساومة مع الكيان الصهيوني والبناء الوطني الاستقلالي للقدرات الوطنية بتحرير موارد الثروة والطموح إلى الانتقال من وضعية السوق الاستهلاكي المستعمر إلى بناء الاقتصاد الوطني المنتج ذاتي المركز كلها عناوين  بارزة تضاف إلى شعار الوحدة العربية المحوري في المشروع الناصري وهي لا تزال راهنة في واقعنا التاريخي الحاضر مهما انكر الجاحدون و بعض القابعين في زوايا المماحكة الذاتية لتجربة مشرقة وملهمة في التاريخ العربي المعاصر.

 لا يضاهي التجربة الناصرية  في الأهمية والمكانة سوى الصمود السوري المستمر في الزمن العربي الأصعب بعد الانتكاس الخطير للتيار القومي التحرري وفي ظل ركود الحركة الشعبية ومسيرة الصمود السوري التي قادها من دمشق الرئيس الراحل حافظ الأسد شكلت رافعة لحركة المقاومة العربية ولمناهضة مشاريع الإذعان لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الصهيونية وقد احتضن الرئيس حافظ الأسد من القلعة السورية قوى المقاومة وقاد استراتيجية اتاحت استنزاف الحلف الاستعماري الصهيوني ومنعه من فرض خططه وهذا القائد الذي ركب الزمن الصعب وطوعه حوصر أيضا  بالنكران والجحود والتآمر وتتبدى دمشق اليوم بعد ثباتها العظيم وإفشالها للمخطط الاستعماري الخطير الذي استهدفها بوصفها العاصمة العربية المؤهلة لقيادة نهضة قومية جديدة مع الرئيس المقاوم بشار الأسد.

اليسار التقليدي المتحول نحو استلاب الليبرالية الغربية ينتقد الناصرية ويهجو سورية الأسد وينكر دورهما التحرري المركزي في رفع راية التحرر القومي باجترار الكلام القديم الجديد عن القمع دون أي اعتبار لما تكشفت عنه الوقائع من كون القوى التي ناهضت الناصرية وتناهض اليوم الدولة الوطنية السورية هي في تكوينها وخياراتها السياسية الفعلية ادوات واعية او مستلبة لخطط استعمارية تستهدف نزعة التحرر والاستقلال ومن المؤسف ان ينحرف بعض الوطنيين إلى تبني خطاب مسوخ يسارية يشغلها الغرب ويديرها كواجهات المعارضة السورية التي افتضح كونها الغلاف التسويقي الغربي لعصابات التكفير الإرهابية ولحركة الأخوان الرجعية خصم عبد الناصر اللدود واداة الثأر البريطاني من انتصار مصر على العدوان الثلاثي وتأميم قناة السويس.

يصمم البعض على المعاينة الذاتية بعقل تناحري فئوي تعلو ذاتياته بقوة العادة على الاعتبارات المبدئية التي تفرض تكريم الناصرية واحترام مكانتها التاريخية المميزة كنزعة تحررية ورد الاعتبار لكونها جزءا من ميراث الأمة العربية النضالي القومي ومن تجربتها التاريخية في التطلع لبناء دولة الوحدة القومية وهذا لا يعني دعوة لقبول التجربة بتسليم كلي لكل ما فيها من غير الفحص العلمي النقدي للثغرات التي سهلت استنزافها وإسقاطها من الداخل المصري ومن الخارج القومي والدولي فالمعركة هي دائما بين الاستعمار وعملائه وأي حركة للتحرر والاستقلال وهذا ما تقوله التجربة العربية بكليتها.

إن جميع المشاكل والقضايا التي تضج في الفضاء العربي تشير واقعيا إلى حيوية كبيرة وراهنية ملحة  لشعارات الوحدة العربية والتحرر من الاستعمار وتحرير فلسطين والبناء الوطني الاستقلالي كإطار للتنمية والعدالة وتلك هي ركائز الناصرية والتوجهات السورية الفعلية وهي تبدو راهنة ومستحقة في سائر البلدان العربية بغض النظر عن محتواها الواقعي التجريبي وتحديات تحديث محتواها بما يستوعب ما تراكم عبر الزمن من تعقيدات  خلفتها عقود الردة والانكفاء الشعبي.

إن جوهر الناصرية كتيار سياسي شعبي تحرري ما يزال حاضرا في وجدان الجماهير العربية وهو قضية التحرر الوطني والوحدة القومية الهدفان الراهنان لأي نضال وطني حقيقي في البلاد العربية قاطبة وقاعدة أي تفكير تقدمي تاريخي بأسس النهضة العربية المرجوة التي تفتح كوة الأمل الوحيدة في سماء ملبدة وحالكة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى