قرارات وزير العمل “الطائشة”: ناصر قنديل
–لا يستطيع وزير العمل الآتي من مكانة حقوقيّة مرموقة ومن عالم المال والأعمال في الأسواق العالمية الادعاء، بأنه كان يتحرك بقوة القانون الحرفية، أو بدافع «وطني» ساذج منطلقه الحرص على اليد العاملة اللبنانية فقط، فهو ممن لا يفوتهم إدراك أمرين يحضران فوراً قبل اتخاذ أيّ قرار مشابه، الأول أن ظاهرة الوطنية الساذجة التي تنطلق من حساب الصراخ بأولوية العمالة الوطنية موجودة في كل العالم واسمها اليوم «الترامبية»، لكنها تبقى بحدود كبيرة خارج قرار الحكم، لحساب قرارات أكثر حكمة تراعي البعد الوطني لحاجات العمالة الوطنيّة وأولويّتها، لكنها تراعي معها عوامل واعتبارات أخرى، اقتصادية وسياسية وأمنية واجتماعية، تُصاغ من مجموعها ما يُسمّى بالمصلحة العليا للدولة. فالترامبية الموجودة على تويتر ليست الترامبية الموجودة في الواقع، حيث العمالة المكسيكية كحاجة اقتصادية للصناعة والزراعة وقطاع السياحة في أميركا، تعيش التجاذب بين حدود القانون والوطنية الساذجة بالتوازي مع الحاجات الاقتصادية، أما الأمر الثاني فهو إن أي قرار بهذا الحجم في بلد كلبنان يتصل بقضية بهذه السخونة والحساسية في توقيت بهذه الدقة والخطورة والتعقيد، لا ينزل على رؤوس الناس كالصاعقة، بلا تشاور وتمهيد ضروريين يفترض أن يطالا المجال السياسي اللبناني أولاً والسوري والفلسطيني ثانياً.
– السوريون والفلسطينيون جزء من المعادلة الاقتصادية اللبنانية منذ عقود طويلة، وحضور العمالة السورية والفلسطينية في الاقتصاد اللبناني حاجة اقتصادية في مجالات عديدة، ومصدر مشكلات في مجالات أخرى، وفي سجلات وزارة العمل أرشيف مليء بالمعلومات التي لا تستجيب للدعوات الغرائزية المنطلقة تحت شعار اطردوا السوريين والفلسطينيين، والتداخل الاقتصادي ليس أحادي الجانب تختصره العمالة. فالتحويلات التي ترد لبنان من الجاليات الفلسطينية في الخارج تُقدَّر بملياري دولار أميركي سنوياً، والودائع الفلسطينية في المصارف اللبنانية تقدر بخمسة مليارات دولار، والودائع السورية تقدَّر بأضعاف هذا الرقم والبعض من الخبراء يتحدّث عن عشرين مليار دولار كمجموع ودائع للسوريين في المصارف اللبنانية، والسوق السورية بنسبة كبيرة تتغذّى بالبضائع الأجنبية بما فيها السيارات والآلات الصناعية عبر تجارة يُديرها ويملكها لبنانيون ويعزو إليها بعض الخبراء ارتفاع فاتورة الاستيراد اللبنانية، بينما يعزو إليها آخرون رفضهم رفع الضرائب على المستوردات كي لا تتحوّل عن لبنان، ما يعني ان المعادلة الاقتصادية المركبة تستدعي النظرة المركبة، وهذا ما واجهته صيحات الترامبية في أميركا ضد المكسيك، ومثلها صيحات اليمين الفاشي في فرنسا ضد المغاربة والتوانسة، والصيحات النازية الجديدة في ألمانيا ضد السوريين المهاجرين، حيث وقفت مصلحة الدولة العليا بكل جوانب المشهد تقيّم الموقف وترسم السياسات.
– مشكلة السوريين في لبنان ليست بالسوريين ولا بالدولة السورية، بل بالسياسة المعتمدة من المنظمات الدولية التي لا تجرؤ وزارة العمل على مطالبتها بالتوقف عن منح بطاقات النزوح للمقيمين في لبنان والذين يزاولون مهناً أو يتنقلون عبر الحدود بين لبنان وسورية. كما لا تجرؤ وزارة العمل ومن خلفها الحكومة اللبنانية على مطالبتها بتسديد بدلات الكهرباء وتكاليف البنى التحتية والتعليمية والصحية لمخيمات النازحين السوريين قبل أن تقوم بتوزيع مبالغها على جمعيات أغلبها من مستفيدين لبنانيين معلومي الهويات السياسية يتاجرون بقضية النزوح، ولا تجرؤ الحكومة اللبنانية على مطالبة هذه الهيئات الدولية رسمياً بنقل عطاءاتها للنازحين إلى العائدين إلى بلدهم سورية، ومثلها قضية الفلسطينيين الناتجة بصورة رئيسية عن توقف أغلب خدمات وكالة أممية اسمها وكالة إيواء وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأنروا ، وأن الغضب اللبناني كما السعي اللبناني يجب أن ينصبّا على الضغط لعودة هذه الوكالة وتفعيل مهامها وتوفير التمويل الذي يكفي لتأمينه أن يستخدم الفريق السياسي الذي ينتمي وزير العمل لأحد مكوّناته، لدى حلفائهم من العرب والغرب، ليقوموا بما عليهم على هذا الصعيد لينتفي أغلب وجوه المشكلة.
– قرارات كالتي أصدرها الوزير تستدعي تشاوراً داخلياً وخارجياً حكماً، قبل أن تُبصر النور، فهناك لجنة مؤلفة في رئاسة الحكومة يترأسها الوزير السابق الدكتور حسن منيمنة وهو لا ينتمي لتيار سياسي يمكن للوزير المزايدة عليه بمفهوم اللبنانية الذي يسوّق له وزير العمل بقراراته. فالوزير منيمنة من تيار المستقبل الذي رفع شعار لبنان أولاً قبل أن يكون الوزير وزيراً، وكان أبسط الطرق أن يطرق الوزير باب اللجنة لتجتمع وتناقش ما لديه من أفكار، وتمهّد الطريق لما يتناسب منها مع واقع الحال. وكذلك في الملف السوري فهناك لجنة مكلفة من مجلس الوزراء يشرف عليها المدير العام للأمن العام المجمع على وطنيته وحرفيته وخبرته، وكان يكفي للوزير أن يقصده طلباً للمشورة، علماً أن الوزير يعلم أن التمهيد لقرارات بحجم ما فعل، تستدعي عرضها على الحكومة لتسويقها والتناغم في التعامل معها، ولو كانت من صلاحياته وحده، كيف وأن هناك نقاشاً حكومياً حول العلاقات اللبنانية السورية يقف عند عقدة التواصل بين الحكومتين في بحث القضايا المشتركة ومنها قضية النازحين وعودتهم، ولا تنقص المشكلات مشكلة جديدة، أما فلسطينياً فهل أسوأ التوقيت صدفة، حيث محاولات حثيثة لتيئيس الفلسطينيين لإدماجهم في صفقة القرن، تطرح بديلاً للتوطين وحق العودة معاً اسمه التهجير القسري للفلسطينيين من لبنان، فهل هدف إجراءات الوزير خدمة هذا الهدف؟
– ما نتج عن إجرءات وزير العمل كان متوقعاً ولا نخاله كان عاجزاً عن توقع ما حدث، فهل كان طرق الباب ليأتي كما أتى الجواب؟ فهل هو استغلال للغياب الحكومي حتى تصير غدراس دارة رئيس حزب القوات مقصداً داخلياً وفلسطينياً ودولياً لمطالبة الوزير بالتراجع عن قراره، بدلاً من رئاسة الجمهورية، بعدما يكون الوزير قد سبق منافسيه في التيار الوطني الحر وأحرجهم بوضع الشعارات التي يرفعها غلاة المتعصّبين في التيار تحت عنوان لبنانية ساذجة، فيقطف وحزب القوات عائدات هذه المزايدة ويحمّلهم مع حلفائهم تبعات التراجع؟
– قرارات الوزير حجر طائش أم عصفوران بحجر واحد؟