حصانة المقاومة المنشئة للسيادة
غالب قنديل
الطبيعي والمنطقي ان تتعامل الشعوب والأوطان الطبيعية بقليل من العرفان مع محرريها وحماتها المدافعين عنها وفي لبنان حيث يقوم التلفيق اللفظي بترتيب تسويات الوفاق مقام التفاهم الفعلي على المبادئ والأساسيات يطعن المقاوم والمحرر في ظهره من الخلف ويتآمر عليه بنو وطنه الذين رفضوا التسليم بشرعية المقاومة وحبسوا الجيش في قفص أميركي ليكون مباحا للاختراقات وللخنق ولتقويض دوره الوطني فيحرم من أبسط بديهيات ومقومات الدفاع الوطني وها هم يعملون لحبس المقاومة في قفص العقوبات المصرفية الأميركية.
لن تستر العقوبات عار الفشل الأميركي في المنطقة امام محور المقاومة وفي صلبه حزب الله ولكنها عار بذاتها على كل لبناني يرضخ لها او يقبل استمرارها بأي ذريعة.
انبثقت المقاومة بالإرادة الشعبية المنشئة لأي سيادة حرة في زمن استسلام النظام السياسي للمشيئة الأميركية ورضوخه لوصايتها باتفاق استسلام للعدو الذي اجتاح الوطن ودمر مدنا وبلدات كثيرة ونهب المعامل واتلف البساتين وقتل الآلاف وتربص لسرقة المياه وأعد العدة لضم اجزاء من الأرض اللبنانية إلى الكيان الغاصب.
وإذا كان الموقف من مقاومة العدوان الصهيوني موضع نزاع وصراع واجتهاد وهو ما يعاكس الطبيعة والبداهة والأخلاق فإن التصدي لعصابات التكفير الإرهابية الذي قام به حزب الله بالشراكة مع الجيش اللبناني كان البيان الساطع القريب الذي لم يمر عليه زمن يبرر التجاوز عن كون المقاومة التي هي قوة دفاع ضد العدوان الصهيوني كانت قوة حامية للأمن الوطني والسيادة الوطنية في وجه العدوان التكفيري الذي دبرته ونظمته الولايات المتحدة “الصديقة” بالشراكة مع العدو الصهيوني وحكومات غربية وعربية خليجية كانت جميعها متآمرة على امن اللبنانيين ووجودهم ووحدتهم الوطنية ولامجال لاختيار عبارات اخرى تجسد حقيقة ما جرى في الواقع دون مواربة او مخاتلة.
في زمن الاحتلال الصهيوني أراد الأميركي الشريك الرئيسي في قيادة حروب إسرائيل إذعانا لبنانيا وهو عادى المقاومة لأنها قوة محركة لإسقاط اتفاق العار وتخوض مواجهة مستمرة تستنزف العدو وتردعه وباتت نواة استنهاض لحلف سياسي لبناني وطني رافض للمشاريع الاستعمارية الأميركية في المنطقة التي أرادت واشنطن جعل لبنان إحدى قواعدها الرئيسية وهي اليوم تريد خضوعا لبنانيا لمترتبات صفقة القرن ولتصفية قضية فلسطين وشطب حق العودة وبالتالي فرض الرضوخ لمشاريع التوطين المتداولة ولحصة لبنان المتخلية منها.
المقاومة هي قوة منشئة للسيادة حامية للوجود والمصير ومحصنة بقوة دورها التاريخي لكن المفارقة انها قانونيا مستباحة بوجودها ومؤسساتها من خلال العقوبات الأميركية بفعل إذعان السلطة اللبنانية لها … تتعرض للعقوبات الأميركية دول عديدة في العالم كبيرة وصغيرة وجميعها سلكت خطين في التصدي لها فناقشت التدابير الأميركية في مؤسساتها الدستورية واستصدرت قوانين ضد العقوبات خصصتها لتحصين المؤسسات والشخصيات المستهدفة بها واطلقت فرق البحث عن خيارات اقتصادية وتجارية ومالية ومصرفية تضيق فعالية العقوبات وانعكاسها وتمسكت برفض امتثال مؤسساتها الوطنية لمشيئة اجنبية معادية والأميركي الذي يفرض العقوبات على لبنان بكل صلافة هو عدو حليف للعدوين الصهيوني والتكفيري .
لا شيء يحول نظريا دون سن قانون يؤكد حصانة المقاومة برموزها ومؤسساتها وقادتها ضد العقوبات الأجنبية الداعمة للعدو الصهيوني والتكفيري ولا شيء يحول عمليا دون اعتماد سلة تدابير ضد العقوبات وبدائل مالية ومصرفية وتجارية تعزز القدرة على التصدي للعقوبات فما المانع مثلا من تقليص اعتماد الدولار في المبادلات التجارية والاعتمادات المصرفية وما المانع من اعتماد سلة عملات بديلة ومن الدخول في اتفاقات للتبادل التجاري بالعملات الوطنية وتشجيع الشركات اللبنانية على عقد هذا النوع من الاتفاقات بحوافز ضريبية ومزايا تشجعها على مقاومة العقوبات والقيود الأميركية؟
ولم لا يتجه لبنان شرقا ما دام الغرب منضبطا بكماشة العقوبات التي تسنها واشنطن لخدمة العدو الصهيوني وهي تضمر الخراب والشر للبنان بينما تتوافر في الشرق فرص وحوافز كثيرة وإرادة متجددة لكسر حواجز العقوبات الأميركية المكرسة للهيمنة الاستعمارية.