ليس لدينا الوقت لترف خلافاتنا: البروفسور فريد البستاني
قال غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته أمس، « مصالحة الجبل هي الكنز الذي نتمسك به وهي فوق كل اعتبار، ذلك أن سلامة الوطن هي من سلامة الجبل ونعمل وندعو الى العمل معاً في سبيل توطيد أركان المصالحة سياسياً وواقعياً وخلق فرص عمل للجميع لكي يعود العيش معاً الى سابق عهده وثانياً اعتماد خطاب سياسي يجمع ولا يفرق، يسير الى الامام ولا يعود الى الوراء، يبني ولا يهدم، يتعاون ولا يقصي، يأتي بمشاريع اقتصادية وإنمائية ولا يردد كلمات وشعارات من دون مضمون سوى التأجيج».
وشدد على أن «الشعب سئم مناكفات السياسيين على حسابه وعلى حساب تعطيل عمل المؤسسات وعلى حساب قيام دولة العدالة والقانون والرقي»، قائلاً: «كفى هذا الهدم المتواصل للدولة ومؤسساتها وهذا القهر للشعب المحب والمسالم وإقحامه على هدم ما تبقى عنده من ثقة بالمسؤولين السياسيين».
وخلص غبطته للقول «ما زلنا نعيش اليوم وللاسف التوتر السياسي بسبب حادثة قبرشمون ، وقد عطلت اجتماع مجلس الوزراء فيما الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمالية تتفاقم والديون تتراكم والعجز يكبر وفقر الشعب يتعمق والمدارس تعاني والمتاجر تقفل وكأن البلاد سفينة ضائعة في وسط البحر تتلاطمها الامواج والرياح من كل جانب ومتروكة للقدر».
ان كل لبناني مخلص لا يستطيع إلا أن يقف وراء كلام غبطته ويرى فيه وضعاً للإصبع على الجرح، بمثل ما سيجد في كلام فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون جوابا شافيا عن كيفية الخروج من المأزق الراهن بالدعوة لتطبيق كامل لمقررات المجلس الأعلى للدفاع والتمسك بالحفاظ على حرية المعتقد وحرية التعبير وحق الاختلاف ورفض التحول إلى كانتونات مغلقة.
المشكلة هي أننا ندرك الحقائق، لكننا نستسهل تجاوزها بإلقاء اللوم على الآخر، وكأننا جميعا نهوى اللعب على حافة الهاوية دون أن ننتبه أنها هاوية سقوطنا نحن وسقوط بلدنا وليس أي بلد آخر، ونتقن لحس المبرد ونستلذ بطعم دمائنا، نقامر على الفراش الذي ننام عليه، ونتباهى بقدرتنا على الصمود في النوم في العراء، وننسى أن كلفة التلاقي أقل بكثير من كلفة التباعد، وكلفة التنازلات أقل بكثير من كلفة المواجهات.
هل سألنا أنفسنا ماذا سنفعل إن بقينا نتجاذب لحاف الأزمة وكل منا مكشوف الغطاء، وليس لدينا ترف الوقت اللازم للبطء الذي نعالج فيه مشكلاتنا، فخلال ثلاثة أسابيع تنتهي مهلة الإنفاق على القاعدة الإثنتي عشرية ويجب أن تكون الموازنة قد أبصرت النور دستورياً، وهذا يستدعي أن تكون عجلة الدولة تسير بشكل طبيعي قادر على إقناع الداخل والخارج اننا دولة تستحق الثقة، فهل هذه هي حال صورتنا اليوم؟
المشكلة لم تعد فقط بقلق الداخل والخارج تجاه الثقة بأهليتنا لقيادة شؤوننا المالية ونحن نفشل في إدارة دفة شؤوننا السياسية، فالقلق يطال اليوم قدرتنا على حماية سلمنا الأهلي، وعلى توطيد دعائم قيام دولتنا ومؤسساتنا بالمسؤوليات البديهية لأي دولة ومؤسساتها لجهة حفظ الأمن وفرض هيبة القانون، وقدرتنا كسياسيين على تولي خلافاتنا بلغة الحوار والقدرة على فهم بعضنا البعض وصياغة التفاهمات، والقضية أكبر من إلقاء اللوم وتحميل المسؤولية، إنها قضية الجدارة بوطن لا تثبتها إلا القدرة على تخطي الأزمات، فهل يجوز للخلاف على شؤون السلطة بما هي تحديد أحجام وأدوار، أن يعطل الدولة بما هي ميثاق عيش مشترك وحرية معتقد وحق اختلاف وحرية انتقال كفلها الدستور جميعها، فنصير بالاختلاف على شؤون السلطة بسرعة البرق مجموعة دول، وهل يجوز للخلاف على شؤون الدولة بما هي مواثيق ونصوص وإدارة شؤون الناس، أن يعطل الوطن بما هو قيمة جامعة لمواطنيه وذاكرة واحدة لمنتسبيه، فنصير فجأة في الخطاب أوطاناً؟
آن الأوان لكلام غبطة البطريرك ليصير لسان حال الجمع بيننا، وأن يكون كلام فخامة الرئيس جدول أعمال لتحقيقه.
(البناء)