مَنْ يملك المبادرة في الحرب النفسية؟: ناصر قنديل
–من الطبيعي بعد تقييم جولات المواجهة التي عرفتها الجبهة الأميركية الإيرانية منذ الإعلان الأميركي عن إلغاء الاستثناءات الممنوحة على العقوبات المفروضة على مستوردي النفط الإيراني، أن يرسم كل فريق خطته على أبواب انعقاد منصتي تفاوض عالميتين فاصلتين عن جولة المواجهة المقبلة. المنصة الأولى هي في اجتماع الدول الموقعة على الاتفاق النووي في فيينا بغياب أميركا التي انسحبت من الاتفاق، والعنوان هو كيفية حماية الاتفاق وبالتالي كيفية الالتفاف على العقوبات الأميركية بما يتيح لإيران البقاء تحت سقف الاتفاق. والمنصة الثانية هي اللقاءات التي ستعقد على هامش قمة العشرين التي تستضيفها اليابان. ومعلوم أن أغلب لقاءاتها الثنائية والمتعدّدة والتي سيكون الرئيس الأميركي طرفاً فيها سيكون موضوعها إيران.
– نتائج جولات المواجهة خلال شهرين كانت إقدام واشنطن على خطوتين. هما العقوبات المشدّدة، وحشد الأسطول الحربي إلى الخليج، وفقاً لمعادلة إذا تعرّضت أية مصلحة من مصالح حلفاء واشنطن لأذى على أيدي أي من حلفاء إيران فإن إيران ستدفع الثمن غالياً. أما من الجانب الإيراني فقد كانت خطوات عدة، أبرزها تحديد مهلة ستين يوماً للخروج من الاتفاق النووي والعودة للتخصيب المرتفع لليورانيوم ما لم يثبت الشركاء في الاتفاق النووي قدرتهم على الالتزام بموجباته، والكشف عن نية إيران حتى ذلك التاريخ الاحتفاظ باليورانيوم المخصب حتى لو تجاوزت الكمية السقف المقرر في الاتفاق النووي وهو ثلاثمئة كيلوغرام، وتلا ذلك اختباران عسكريان، الأول اختبار لمعادلة واشنطن بتدفيع إيران ثمن أي أذى يلحق بحلفائها على أيدي حلفاء إيران، وكانت سوق النفط هي الميدان. ومنعاً للالتباس والتهرّب أصدر أنصار الله بيانات عن استهداف خطوط نقل النفط ومطار أبها. فتراجعت واشنطن عن المعادلة. وجاء الاختبار الثاني بإسقاط الطائرة الأميركية المميّزة في عالم التجسّس، بعدما تراجعت واشنطن عن معادلتها الأولى. وقالت إنها لن تشنّ ضربات على إيران إلا إذا تعرّضت قواتها للاستهداف، وكانت النتيجة تهرّباً أميركياً ثانياً بأعذار تظهر الضعف والخوف.
– دخلنا لعبة الزمن والحرب النفسية عشية اللقاءات التفاوضية، فكيف تصرّفت إيران وكيف تصرفت واشنطن، بعدما ربحت طهران جولات المواجهة. قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيمحو إيران في أي مواجهة، وأصدر عقوبات استهدفت قادة إيرانيين في مقدمتهم الإمام علي الخامنئي، والتهديد كما العقوبات ظهرا كطلقات صوتية فارغة، بينما أعلنت إيران أنها تقترب من تخطي الكمية المخصبة من اليورانيوم من السقف المسموح، وأنها ستسرّع عمليات التخصيب، وحددت السابع من تموز موعداً لرفع نسبة التخصيب إلى الـ 20 ، فأجرى الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون اتصالاً بالرئيس الإيراني طالباً التمهل، لأن هناك مبادرة فرنسية يابانية قيد الإعداد، وعشية لقاء فيينا تلقت إيران طلباً رسمياً أوروبياً بالتمهل، فأعلن مسؤول إيراني أن سقف الكمية المخصبة لن يتخطى السقف قبل نهاية الشهر، أي قبل انتهاء لقاءات فيينا وقمة العشرين.
– ركّزت إيران على حطام الطائرة الأميركية وهي تعرض تهديدات ترامب، وعلى قيامها بتفادي إسقاط طائرة عسكرية أخرى كانت تحمل عشرات الضباط والجنود. فاضطر ترامب لتوجيه الشكر. وسخرت إيران من عقوبات ترامب من الزاوية العملية ووصفتها بقلة الأدب من الزاوية المعنوية. فصار ترامب يتحدث عن قرب انهيار إيران وحاجتها للتفاوض ثم يعلن أنه جاهز للتفاوض بلا شروط وإيران ترفض.
– السؤال ببساطة هو هل يجتمع الأوروبيون في فيينا لتقديم حوافز لإيران لثني طهران عن تهديدها بالخروج من التفاهم النووي أم لعرض الانضمام إلى ترامب في العقوبات؟ وهل يجتمع القادة في اليابان للتمني على ترامب وقف التحضيرات لحرب مزعومة سيخوضها على إيران، ويقدّمون له الإغراءات ليستجيب؟ أم يبحثون في فشله في حماية أسواق النفط والتسبّب بالأزمات بسبب العقوبات والتهديدات دون القدرة على السير حتى النهاية، ويسعون لتقديم عرض لإيران يضمن بقاءها في الاتفاق النووي ويضمن خطوط الملاحة؟ والجواب واضح ويوضح مَن يُمسك زمام المبادرة في الحرب النفسية كما أمسكها في الميدان.