لا أزمة مع أمريكا د . فايز رشيد
ألقى نتنياهو في الكونغرس خطابه الذي لم يحمل جديداً، اجترار لمواقف معلنة . ركّز رئيس وزراء الكيان على المشروع النووي الإيراني وخطره المستقبلي على دولته . الخطاب لم يتم فيه مثلما جرت العادة، أخذ موافقة شكلية من الرئيس الأمريكي . لذلك أثار إصرار نتنياهو على مخاطبة الكونغرس بمجلسيه، استياء أركان إلإدارة الأمريكية، من رأس الهرم: أوباما مروراً بنائبه جو بايدن وصولاً إلى وزير الخارجية كيري فلم يقابله أحد منهم . أوساط صهيونية ودولية وأخرى عربية تتحدث حالياً عن أزمة علاقة بين الولايات المتحدة والكيان وخاصة بعد تصريح سوزان رايت الناطقة باسم البيت الأبيض: من أن “الخطاب سيترك أثراً تدميرياً في العلاقة بين الطرفين” . نتنياهو حاول احتواء ردود الفعل الغاضبة في واشنطن بإطلاق رسائل تهدئة في خطابيه (في الكونغرس وفي ال”إيباك”) للرئيس أوباما وإدارته .
العلاقة الأمريكية “الإسرائيلية” لم تمر في كل تاريخها بمرحلة “الأزمة” ولن تمر! هذا أحد المرتكزات الرئيسية في التحالف الاستراتيجي بين الطرفين . إن ورقة الضمانات الإستراتيجية الأمريكية للكيان عام 2004 تؤكد ذلك، كما تاريخ العلاقة بين الطرفين، من خلال تسابق مرشحي الرئاسة والرؤساء الأمريكيين الفائزين في كسب الرضا الصهيوني واللوبي الممثل له في أمريكا . يدرك زعيم الليكود أن أوباما عاجز عن الفعل في هذه القضية . نتنياهو لا يتميز بعنجهيته وصلفه وجرائمه، وانتهازيته السياسية، وكذبه وافتراءاته على التاريخ والحقائق فحسب، بل بوقاحته الشديدة أيضاً! هذا أقّل ما يوصف به رئيس وزراء الكيان الصهيوني . ألقى خطابه وتطاول على رأس هرم حليفة كيانه الرئيسية في عقر داره .
من الجدير ذكره، أن خطاب نتنياهو جاء في ظل احتدام المواجهة بين الرئيس والجمهوريين . . فالأول لا يريد فرض عقوبات جديدة على إيران (وأعلن صراحة أنه سيتخذ حق الفيتو الرئاسي إذا ما اتخذ الكونغرس قراراً بفرض العقوبات)، بينما الجمهوريون وآخرون من نواب حزب الرئيس الديمقراطي، يريدون فرض العقوبات، حتى قبل انتهاء المفاوضات مع إيران بشأن برنامجها النووي! معروف موقف نتنياهو حول المسألة فهو يعتبر أن البرنامج هو التحدي الأكبر أمام “إسرائيل”، وينادي بل يحّرض حليفته الرئيسية على تدمير المشروع، ولطالما هدد باحتمال أن يقوم الكيان وحده بتدمير المشروع .
ليس من الصعب على المراقب استشراف أهداف نتنياهو من إلقاء الخطاب، ولعل أبرزها:هدف انتخابي ومحاولة لتعزيز زيادة شعبيته وحزبه في الانتخابات التي ستجرى بعد أيام (17 مارس/آذار الحالي) . هدف إثبات اليد الطولى ل”إسرائيل” في قلب عاصمة حليفتها الرئيسية . التوضيح للعالم، بأن هرم الإدارة الأمريكية في كل المراحل يتوجب أن يكون في خدمة ما تريده دولة الكيان . إثبات القدرة على التحكم في القرارات الرسمية الأمريكية . ابتزاز مرشحي الانتخابات الأمريكية الرئاسية القادمة لإبداء المزيد من الولاء ل”إسرائيل” .
خطوة نتنياهو وإضافة إلى تطاولها ووقاحتها على أوباما، تحمل غدراً وخيانة لواحد من أكثر الرؤساء الأمريكيين حرصاً وتأييداً للكيان، وهو الذي ما زال يحرص . . إضافة إلى كل ما قدمه من دعم مادي وعسكري وسياسي لحليفته الرئيسية، وتأييدها في كل المحافل الدولية، وآخرها محاولة منع محكمة الجنايات الدولية من محاكمة قادة “إسرائيليين” بتهم أقل واحدة منها ارتكاب حرائم حرب . هذه هي دولة الكيان تمارس التهديد والابتزاز وكل الأساليب القذرة حتى مع حليفتها الأساسية، هذه هي الشايلوكية الفعلية والوقاحة المنقطعة النظير، واحتقار الآخر .
إن العلاقات الأمريكية “الإسرائيلية” على درجة من التحالف الاستراتيجي الذي يقع خارج إطار الدخول في مرحلة الأزمة المؤثرة فعلياً، وهي خارج إطارالتدخل الفعلي من قبل أي إدارة أمريكية والتسبب في عوامله الأزموية . قد ينشأ بعض التعارض أحياناً حول هذا الموقف أو ذاك، أو حول هذه السياسة أو تلك، لكنه التعارض الآني، الثانوي الذي لا يؤثر في استراتيجية العلاقة القائمة بين الطرفين .
إن ما يبدو في بعض من وصول الحدث إلى مستوى الأزمة في العلاقة بين الطرفين هو محض خيال! هذا ما لا نقوله نحن فقط وإنما تثبته الوقائع . خذ مثلاً أوباما نفسه وخطابه الشهير في جامعة القاهرة والموجّه للمسلمين والعرب، ومراهنات كثيرين من العرب والفلسطينيين والمسلمين على الجديد في مواقفه من “إسرائيل” . أوباما باختصار تنصّل من كل وعوده، وأصبح يردد الحل والتسوية “الإسرائيلية” . لا نشك في أن الرئيس أوباما سيبتلع الإهانة، رغم تطاول نتنياهو عليه في قلب عاصمته! هكذا عوّدتنا الدولة السوبر عظمى في علاقاتها “الإسرائيلية”: كل شيء مسموح للكيان وقادته .
(الخليج)