خطوة أنقرة نحو الرياض : تسفي بارئيل
احدى التجديدات المتعددة التي ادخلها رئيس تركيا إلى قصره الفاخر هو مختبر للاكل مجهز يعمل به بشكل دائم اربعة اشخاص مختصون يفحصون مكونات الاكل الذي يصل إلى فم الرئيس. الامور الصحية ليست على الجدول، ولكن الخوف من التسميم. رجب طيب اردوغان ليس رئيس الدولة الوحيد، وبالتأكيد ليس هو الاول، الذي يشغل طاقما لمراقبة وفحص الاكل الذي يصل إلى مائدة الزعيم. فقد اعتاد السلاطنة العثمانيون على تشغيل متذوقون للاكل، وكذلك ايضا العديد من الزعماء العرب المعاصرين. ولكن لا احد يتحدث عن ذلك علنا، وعندما كشف الطبيب الخاص لاردوغان، الدكتور جودت أردول، الاسبوع الماضي عن تفاصيل الاجراء، كان في تركيا من فسر ذلك الاعلان عن ذلك كاحدى نزوات اردوغان التي تهدف إلى إظهاره كمن هو عرضة للخطر.
الى جانب ذلك، يبدو ان التهديد بالتسميم لم يزعج اردوغان إلى هذا الحد عندما زار هذا الاسبوع العربية السعودية، والذي وفقا لمصادر تركية، تناول الرئيس الطعام على مائدة الملك سلمان بدون ان يقوم احد بفحص الوجبات. الامر الذي تم فحصه بدقة، بشكل اساسي في الصحف المصرية، كان الاستقبال الذي حظي به اردوغان مقابل ذلك الذي حظي به الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي زار السعودية في نفس الفترة. ففي الوقت الذي استقبل فيه الملك سلمان بنفسه الرئيس السيسي، فقد استقبل اردوغان في مطار جدة حاكم جدة وبعض مساعديه.
ليس هناك شك في ان السعوديين يعرفون كيفية تمرير الرسائل الدبلوماسية من دون ان تكون ظاهرة. وعلى الرغم من ذلك، فإن زيارة اردوغان للسعودية هي علامة هامة على الطريق في سياسة كلا الدولتين. فمقابل الملك السعودي الراحل عبد الله الذي رأى باردوغان خصما وبتركيا دولة يجب كبح تأثيرها وقوتها في الشرق الوسط العربي، يبدو ان للملك سلمان تفكيرا آخر. العديد من المحللين السعوديين الذين كتبوا عن الزيارتين الرسميتين، رحبوا بزيارة اردوغان، واوضحوا لمصر انها لن تملي على السعودية سياستها الخارجية، او تحدد فيما اذا كانت تركيا ستقوي علاقاتها مع السعودية ام لا.
سعودية الملك سلمان تلمح، وليس بمرونة، إلى ان سياسة الملك عبد الله هي التي تسببت بانتشار تأثير اردوغان في المنطقة، وان إيران تعتبر، اكثر من السعودية، هي التي تقاتل بشكل فاعل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). وان تساهل السعودية في اليمن ادى إلى سيطرة الحوثيين، المدعومين من إيران، على السلطة في البلاد. ويقدر بعض المحللين ان السعودية تطالب بتشكيل محور ضد ـ الشيعة وضد إيران الذي من الممكن ان تلعب فيه تركيا دورا رئيسيا. ولكن محور كهذا لا يمكن بدون ان يضم مصر، التي تعمل مع السعودية ودول الخليج على اقامة قوة عربية مشتركة للتدخل السريع تضم 40 الف جندي.
إنضمام تركيا لمحور مثل هذا يستوجب تصالحا بين مصر وتركيا. وهذا الامر تم نقاشه بتوسع في اللقاء بين سلمان واردوغان، والذي في ختامه قال اردوغان ان «السعودية ترغب بالمصالحة بين تركيا ومصر». واشار الرئيس إلى ان السعودية لم تمارس عليه ضغوطا لتحسين علاقاته مع مصر واضاف انه «لا يجوز ان تقام علاقة تركيا والسعودية في ظل العلاقات بين مصر وتركيا».كما قال اردوغان ايضا ان»مصر، تركيا والسعودية تشكل مثلث دول هامة في المنطقة». ولكن على عكس هذا الاطراء الموجه إلى مصر، نشر كبير مستشاري اردوغان الدكتور ابراهيم كالين، مقالا في الصحيفة التركية المؤيدة للحكومة (ساباه) ان»الانقلاب الذي حصل في مصر تسبب بتوتر وخلافات سياسية».
مصطلح «انقلاب»، كما هو معروف هو تعبير عن عدم مشروعية النظام، وهو يثير حفيظة السيسي منذ تسلمه للسلطة في تموز من العام 2013. الانتقاد الشديد الذي وجهته تركيا، لازاحة الاخوان المسلمين، كان عنصرا رئيسيا في القطيعة بين البلدين، والذي شمل مقاطعة مصرية رسمية لشركات تركية وإعادة سفيري البلدين إلى بلادهما. وبناء على ذلك فمن الصعب التحديد في هذه المرحلة اذا كانت جهود المصالحة التي يقوم بها الملك السعودي سوف تؤدي إلى انطلاقة في العلاقات بين مصر وتركيا، ولكن بالنسبة لمصر، المرتبطة اقتصاديا بالدعم السعودي، تم التلميح مؤخرا ان سياستها الخارجية لا يمكن ان تكون منفصلة عن التطلعات السعودية.
وفي تركيا ايضا، فليس الكل راض عن كسر الجليد مع السعودية، وخاصة وان اجراء كهذا سيؤدي إلى العداوة بين إيران وتركيا. الخبير في القانون الدولي التركي، مورات ياتكين، يعتقد ان على تركيا الامتناع عن اتخاذ خطوات احادية من شأنها ان تؤدي إلى مواجهة مع إيران، وان التحالف السني العربي من شأنه ان يلحق الضرر في شبكة العلاقات الهشة والحيوية بين الدولتين. ويطرح ياتكين حجة هامة اخرى، وذلك ان فكرة التحالف السني تتجاهل حقيقة ان المعركة الرئيسية في الشرق الاوسط هي ضد التنظيمات السنية المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة.
من هذه الناحية فإن تركيا تدير لعبة متعددة الوجوه: فمن جانب هي ليست شريكا رسميا في التحالف الغربي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والطائرات الأمريكية لا يسمح لها باستخدام المطارات التركية، من اجل القيام بعمليات القصف لمواقع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا. ومن جانب آخر، فقد اعلن هذا الاسبوع وزير الدفاع التركي عصمت يلماظ ان تركيا ارسلت وستستمر في إرسال، تجهيزات عسكرية إلى العراق من اجل المساعدة في المعركة التي يتم التخطيط لها من اجل تحرير الموصل من ايدي الجهاديين. كما اعلنت تركيا انها سوف تستقبل اللاجئين العراقيين الراغبين على اراضيها مع نشوب المعركة، ولكنها لن تشارك بصورة مباشرة في النشاطات العسكرية.
زار الجنرال الأمريكي المتقاعد، جون آلين، الذي ينسق نشاطات قوات التحالف ضد الدولة الإسلامية، في الاسبوع الماضي تركيا من اجل مواصلة الحوار المستمر فيما يتعلق بالتعاون التركي. واعلن آلين ان» الحوار يتقدم» ولكن لم يتم لغاية الآن الوصول إلى نتائج فعلية.
فيما يتعلق بالحرب في سوريا، ما زال اردوغان يتمسك بالموقف القائل ان اي تعاون عسكري مع الدول الغربية مشروط بان الهدف منه ليس فقط طرد تنظيم الدولة الإسلامية، بل ايضا إبعاد الرئيس السوري بشار الاسد. وانه طالما الدول الاوروبية والولايات المتحدة ترفض هذا الشرط، وان بعضها يرى في الاسد شريكا في محاربة الدولة الإسلامية، فإن لتركيا ذريعة جيدة بالامتناع عن التدخل العسكري المباشر. وفي الوقت نفسه، عندما تمس الامور بالمصالح التركية المباشرة، فإن تركيا لا تتردد.ومثال ذلك اجتياح قوات تركية للاراضي السورية في الاسبوع الماضي من اجل السيطرة على قبر سليمان شاه، جد مؤسس الامبراطورية العثمانية. فحسب الاتفاق مع فرنسا منذ العام 1921، فإن منطقة القبر تعود لتركيا، وان تركيا قامت بالفعل بالعملية لاجلاء الجنود الاتراك الذين كانوا يحرسون الموقع ولاعادة المقتنيات الموجودة هناك إلى تركيا.
الحبكة السياسية لاردوغان لا تنفصل عن الانتخابات للبرلمان التركي المقررة في بداية شهر حزيران. فالتدخل العسكري المباشر في سوريا والعراق لا تحظى بشعبية كبيرة في تركيا، خاصة وان اسطنبول تخشى موجه اضافية من اللاجئين السوريين والعراقيين التي من شأنها ان تجتاح البلاد. حيث يقيم في تركيا الآن اكثر من مليون ونصف لاجئ يخلقون توترا اقتصاديا واجتماعيا هائلا. فتنظيم الدولة الإسلامية لا يشكل خطرا مباشرا على تركيا، ولكن في المقابل، فإن تحالفا سياسيا سنيا من شأنه ان يزعزع الطائفة العلوية الاكبر في تركيا، التي لا تتضامن مع تلك الموجودة في سوريا، والتي تعد حوالي 11 مليون نسمة.
في الشهر الماضي تجمع الآلاف من ابناء الطائفة العلوية الشيعة في اسطنبول للمطالبة بالمساواة في الحقوق الدينية، واحتجاجا على «الطابع الديني الوحيد (السني) التي تطمح الحكومة إلى تطبيقه في تركيا». والى ذلك يمكن ان يضاف الاكراد الاتراك الذين يعدون 20 مليون شخص الذين يقاتل اخوانهم في سوريا والعراق ضد الدولة الإسلامية. فهذه قوى سياسية يحظر إغضابها عشية الانتخابات، التي يطمح اردوغان من خلالها الحصول على اكثر من ثلثي اعضاء المقاعد في البرلمان، وذلك كي يتمكن من تغيير الدستور ويتحول إلى رئيس على النمط الأمريكي.
هآرتس