لن يفعلها ترامب… وإذا فعلها فأهل المقاومة مطالَبون بالتعقّل والردّ كالمجانين!: د. عصام نعمان
كل ما نصبه دونالد ترامب من أفخاخ وما نفذّه من عمليات استفزازية وتخريبية حتى الآن لن يتطوّر الى حرب ساخنة ضدّ إيران وحلفائها في محور المقاومة. صحيح أنّ الرئيس الأميركي أحمق، لكنه ليس غبياً إلى درجة لا يعي معها مصالحه السياسية الشخصية والمصالح الاقتصادية لأميركا وحلفائها. هو يفعل ما يفعله في الوقت الحاضر لغرضٍ واضح: إكراه إيران على الجلوس الى طاولة المفاوضات بموجب شروطٍ مذلّة لها ولحلفائها .
إيران لن ترضخ لضغوط ترامب. قاومت ضغوط أسلافه طيلةَ الأربعين سنة الماضية ولم تستسلم، وهي قادرة على ممارسة المزيد من الصمود في وجه أقسى وأشرس حملة عقوبات اقتصادية وحصار في التاريخ المعاصر.
ترامب ومساعدوه الأميركيون وحلفاؤه الصهاينة والخليجيون لا يريدون التسليم بهذه الحقيقة. راهنوا وما زالوا يراهنون على انّ الضغوط السياسية والاقتصادية والتهويل بالحرب على إيران ستفضي، عاجلاً او آجلاً، الى أحد أمرين: إن لم تؤدّ الى استسلامها فستؤدّي الى إضعافها وشلّ حركتها وتبديد نفوذها في عالميّ العرب والعجم.
الحرب على إيران وحلفائها مستبعَدَة، اذاً، رغم كلّ المظاهر والتدابير العدوانية المتصاعدة. لماذا؟ لثلاثة أسباب رئيسة:
أولها، لأنّ ترامب يعتزم خوض الانتخابات للفوز بولايةً رئاسية ثانية. مَن يكون له هذا الطموح الغالي، لا يعقل ان يدشن معركة تجديد ولايته بخوض حربٍ ضروس يعرف هو، كما مستشاروه وأركان إدارته، انها ستجرّ على أميركا تدميراً هائلاً لقواعدها ومصالحها في منطقة غرب آسيا، من شواطئ بحر عُمان وبحر العرب شرقاً الى شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً. ربما لهذا السبب أعلن ناطق باسم القيادة الإقليمية للجيوش الأميركية في المنطقة أن لا مصلحة للولايات المتحدة بشنِّ حربٍ على إيران.
ثانيها، لأنّ «إسرائيل»، بقيادتها السياسية والعسكرية، تعلم انّ إيران وحلفاءها ـ سورية وحزب الله في لبنان و»حماس» و»الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة ـ قادرون على تكبيدها خسائر بشرية ومادية هائلة. أجل، هي تعلم انّ أعداءها المقتدرين يعلمون انّ مقتلها يكمن في خاصرتها الضعيفة، ايّ جبهتها الداخلية، لا سيما منطقة «غوش دان» الساحلية الممتدّة بطولٍ لا يقلّ عن 90 كيلومتراً بين مدينتي يافا وحيفا المحتلتين، وبعرضٍ يتراوح بين 10 الى 15 كيلومتراً بين البحر وتلال الضفة الغربية، وان في «غوش دان» يتركّز ما يزيد عن ثلث عمرانها من مدن ومصانع حربية ومعامل لتوليد الكهرباء ومطارات وموانئ ومحطات لسكك الحديد، وجامعات ومؤسسات علمية، كما يعيش فيها نحو نصف عدد السكان من اليهود، ايّ ثلاثة ملايين. وعليه، فإنّ أعداء «إسرائيل» قادرون بصواريخهم الدقيقة على تدمير أكثر من ثلثها، عمراناً وسكاناً وبنى تحتية.
ثالثها، لأنّ إيران تمتلك قدرات صناعية وتكنولوجية متقدّمة، وطاقة وازنة على إنتاج صواريخ بالستية دقيقة بعيدة المدى 2000 كيلومتر ما يمكّنها من تدمير قواعد أميركا العسكرية في منطقة الخليج، كما مرافق إنتاج النفط وتصديره في السعودية والإمارات والبحرين. مع العلم أنه من المشكوك فيه جداً أن يكون في مقدور الولايات المتحدة تعطيل ثروة إيران ومخزونها من علماء وخبراء ومنشآت نووية في باطن الأرض الأمر الذي يمكّنها من النهوض بسرعة بعد الحرب وإعادة بناء نفسها في جميع المجالات، وربما العودة الى انتهاج طريق الصناعة النووية العسكرية.
كلّ هذه الحقائق والاعتبارات من شأنها ان تثني ترامب وفريقه، لا سيما الجناح العسكري فيه، عن اللجوء الى الحرب الساخنة نظراً لأنّ قائمة الخسائر الباهظة الناجمة عنها تفوق بأضعاف مضاعفة الأرباح المحدودة التي يمكن جنيها في هذا السبيل.
غير أنّ إحجام ترامب وحلفائه عن اللجوء الى الحرب الساخنة لا يعني إحجامهم عن متابعة ما هم ضالعون فيه حاليّاً من فعاليات وعمليات تندرج في ما يسمّى الحرب الناعمة soft power كالحصار والعقوبات الإقتصادية، والفتن الطائفية والمذهبية، والعمليات الإرهابية عبر وكلاء وعملاء محليين، وكذلك الحرب التجارية التي تُوجع وتُلحق بالخصوم أضراراً اقتصادية واجتماعية بالغة.
باختصار، لعبة العضّ على الأصابع بقوة ستستمرّ وتشتدّ بين معسكر الولايات المتحدة وحلفائها من جهة ومعسكر إيران وحلفائها وأصدقائها من جهةٍ أخرى، وهؤلاء بينهم دول كبرى كالصين وروسيا، ودول عدّة متوسطة القدرة والتأثير في آسيا وأوروبا وأميركا الجنوبية.
الأرجح انّ ترامب وحلفاءه يتهيّبون اللجوء الى خيار الحرب. لكنهم اذا فعلوا فإنّ ثمة نصيحة يسديها، بلا تردّد، مفكرو المقاومة وخبراؤها الاستراتيجيون المتمرّسون الى إيران وحلفائها: إذا فعلها ترامب ونتنياهو ووكلاؤهما فعليكم وعلى أهل المقاومة جميعاً، متعقّلين ومتطرفين، ان تردّوا عليهم بلا هوادة كالمجانين، بكلّ عزيمة وإقتدار، وبكلّ الأسلحة المتاحة، ذلك أنكم ستنقذون بجهودكم وتضحياتكم مستقبل شعوبكم وأوطانكم، وتؤسّسون لنظامٍ عالمي جديد خالٍ من الاستبداد والاستغلال وانتهاك حقوق الإنسان.
(البناء)