الجامعة تفضح الحقائق
غالب قنديل
ما من بند في الموازنة العامة يفضح حقيقة النظام اللبناني بمثل ما تكشفه الاعتمادات المخصصة للجامعة اللبنانية التي ولدت بقوة الضغط المتواصل للنضالات الشعبية والطلابية لعقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وتعززت مكانتها عشية حرب السنتين إلى ان تم تشقيفها وتفريعها واستضعافها لصالح ما فرخه النظام اللبناني من جامعات خاصة تحصد المليارات أرباحا وترسم خارطة جديدة للتعليم العالي تتصل ببنية النظام السياسي القائم على الريعية والتبعية والتقاسم الطائفي والخضوع للهيمنة الأجنبية.
من يرد تنمية الإنتاج الوطني والتحرر من الهيمنة يفترض به السعي لبناء جامعة وطنية قوية تتيح العلوم والتكنولوجيا الحديثة وفرص البحث العلمي المتقدم لأبناء الفئات الوسطى والفقيرة الذين يقفون مع عائلاتهم خائري القوى على اعتاب جامعات الأقساط المنتفخة بما فيها تلك التي أنشئت في سنوات ما بعد الطائف على قياس ومعيار سالفاتها بمعادلة : العلم متاح لمن يملكون المال !
تفوق طلاب الجامعة الوطنية في سائر الفروع والاختصاصات لاسيما العلمية منها رغم هذا الواقع البائس والمشين الذي انطلق فرضه على اللبنانيين بتوجيهات أميركية بعد حرب السنتين من خلال التضييق على الجامعة اللبنانية مقابل تفريخ الجامعات الخاصة على قياس الطوائف والمذاهب والمناطق في سياق عمل منهجي لتدمير فرص تبلور هوية وطنية جامعة كانت الجامعة اللبنانية الواحدة مهد اختمارها وتبلورها فيما مضى.
أجريت في الأسابيع الأخيرة مقارنات عديدة معبرة بين أرقام اعتمادات الموازنة المختلفة وبند الجامعة اللبنانية وأصدرت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة جدولا بملاحظاتها على الموازنة العامة كما يلي :
– “وقف التوظيف الذي سيترجم بوقف التفرغ والدخول إلى الملاك لمهلة لا تقل عن الثلاث سنوات، مما سيؤدي إلى إفراغ الجامعة من أساتذتها، وتحديدا يصبح ملاكها يمثل أقل من 1/10 من مجموع أساتذتها.
– جعل الجامعة تقوم على أكتاف الأساتذة المتعاقدين حيث يتم استغلالهم لمستحقاتهم الزهيدة ولعدم وجود أي تكلفة صحية يرتبونها على الدولة. وهؤلاء الأساتذة قد يغادرون الجامعة إذا ما توفرت لهم فرص عمل أخرى أو قد يهملون أعمالهم الأكاديمية.
– عدم لحظ أي مبالغ لإنشاء مجمعات جامعية لائقة وغرف سكن ومطاعم للطلاب كما في كل الجامعات المحترمة.
– تخفيض المبلغ المخصص للأبحاث.
– تخفيض المبلغ المخصص لتجهيز المختبرات.
– تخفيض المبالغ التشغيلية المتعلقة بالامتحانات و الحاجات المكتبية.
– تخفيض مبالغ صيانة الأبنية.
–إلغاء منح التعليم للطلاب وعدم لحظ أي مبلغ للمساعدات الاجتماعية للفقراء منهم.
–عدم لحظ أي مبالغ إضافية لتغطية أكلاف الطلاب الذين بات عددهم يناهز ال 85 ألف بعد أن كان أقل من 70 ألف في السنوات الماضية.“
واستنتجت رابطة الأساتذة أن “هذه السياسة المجحفة وهذه الموازنة المذلة بحق الجامعة، تهدف إلى تيئيس الطلاب والأساتذة لإفراغ الجامعة منهم تدريجيا لصالح دكاكين التعليم العالي، وبالتالي حرمان الشعب اللبناني من أحد أهم أعمدته في الاقتصاد والثقافة”.
إن الاستثمار في التعليم العالي العام هو طريق الدول التي تطمح لبناء اقتصاد وطني منتج ومستقل عن الهيمنة الأجنبية والموازنة العامة بالشكل الذي صدرت به عن الحكومة تعاكس جميع الوعود والتمنيات بالتخلص من الريعية والتبعية وبتغليب الاهتمام بقطاعات الإنتاج وهي تفضح خطابات اللغو الفارغ عن الاستثمار في اقتصاد المعرفة والحصيلة ستكون تصاعد أعداد الشباب المهاجر إلى فرص النجاح والتفوق في الخارج بينما يحاصرهم قحط الفرص وحيف النظام البائس على أرض الوطن الذي تحرر من بشاعة الاحتلال الصهيوني لكنه بقي مستعمرا تحت الهيمنة الغربية التي تعدم فرص التنمية الحقيقية التي لا قيامة لها في هذا العالم من غير إسقاط الهيمنة الأجنبية … بصراحة ووضوح إن أخطر نتائج سيدر : تدمير فرص التقدم العلمي بخنق الجامعة الوطنية واستنزافها كمؤسسة واضطهاد أساتذتها وطلابها.