التوتر الإيراني الأميركي: لا حرب ولا تسوية: حميدي العبدالله
بات واضحاً أنّ اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة احتمال ضعيف للغاية، لأنّ كلفة الحرب على الطرفين كلفة باهظة، وتداعياتها الكارثية عليهما وعلى العالم تدفعهما، مهما كانت الاستفزازات، ومهما بلغ مستوى التحريض من أطراف لها مصلحة في توريطهم في الحرب، إلى وضع ضوابط تحول دون الانزلاق والتدحرج نحو الحرب تحت تأثير إرادة ثالثة .
ولكن واضح أيضاً أنّ التسوية متعذرة، بل مستحيلة، على الأقلّ في الظرف الراهن، وفي ظلّ إدارة الرئيس دونالد ترامب، لأسباب كثيرة تتعلق بطرفي الصراع. الشروط الأميركية لأيّ تسوية باتت معروفة وقد لحظها الـ 12 مطلباً لوزير خارجية الولايات المتحدة، وأي تسوية تقبلها إدارة ترامب لن تقبل أقلّ من تقليص مصالح إيران في المنطقة وإعادة النظر ببرنامجها الصاروخي. وهذان المطلبان لن تتراجع عنهما الولايات المتحدة، أو على الأقلّ إدارة ترامب، لا يمكن قبولهما من قبل إيران، لأنّ إيران ترى أنّ من حقها أن يكون لها مصالح في مجالها الحيوي، أسوةً بدول كبرى في المنطقة، وفي مطلق الأحوال ترى أن ليس من حق الولايات المتحدة، وهي بعيدة عن المنطقة، أن يكون لها نفوذ ومصالح مشروعة، في حين يمنع هذا النفوذ والمصالح عن إيران وهي جزء من المنطقة.
كما أنّ إيران لن تقبل تحت أيّ ظرف كان المسّ ببرنامجها الصاروخي، لا سيما بعد تجربتها المريرة في الحرب العراقية، إضافة إلى أنّ دول جوار إيران جميعها تمتلك مثل هذه الأسلحة، بل إنها تمتلك أكثر منها، وتحديداً القنابل النووية والصواريخ البالستية التي تحمل هذه القنابل، وبالتالي لا يمكنها تحت أيّ ظرف كان أن تقبل بالتخلي عن برنامجها الصاروخي، لا سيما في ظلّ الأوضاع المتوترة والحروب التي تشهدها المنطقة.
في ضوء ما تقدّم يبدو واضحاً أنّ شقة الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران على هذه الملفات على وجه الخصوص، يصعب السيطرة عليها، والهوة هذه لا يمكن جسرها مهما كانت براعة الوسطاء، ومهما خلصت النية لدى طرفي الصراع بالحرص على الوصول إلى تسوية تجنّبهما التوتر، وتالياً الانزلاق نحو الحرب.
أيضاً التسوية غير ممكنة في وقت قريب، مثلها مثل الحرب، لأنّ الأطراف التي تحرّض وتشجّع على اندلاع حرب بين إيران والولايات المتحدة ليس لها مصلحة في التوصل إلى تسوية بين الولايات المتحدة وإيران، لأنّ مثل هذه التسوية تنعكس سلباً عليهما، وهنا المقصود بالدرجة الأولى الكيان الصهيوني، الذي لعب تحريضه وتأثيره الدور الأكبر في إقناع الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي، والذي يدفع إدارة ترامب من خلال مسؤولين في هذه الإدارة مثل بولتون وبومبيو وشخصيات أخرى موالية للكيان الصهيوني، إلى رفض أيّ تسوية لا تلبّي شروطهم التي لن توافق عليها إيران إطلاقاً.
لكلّ ما تقدّم فإنّ لا حرب ولا تسوية بالنسبة للتوتر السائد الآن بين الولايات المتحدة وإيران، لن يتراجع هذا التوتر في وقتٍ قريب، على الأقلّ في ظلّ إدارة ترامب.
(البناء)