عدوى «غش» الحلفاء من الرياض الى بيروت.. هيل يرفع «صوته» في وجه حزب الله؟ ابراهيم ناصرالدين
«اسمع كلامك اصدقك اشوف عمايلك استعجب»، هذا المثل المصري يختصر كل التعليقات «العقلانية» المفترضة على البيان الذي أصدره السفير الأميركي ديفيد هيل عقب لقائه قبل ايام وزير الداخلية نهاد المشنوق، فالبيان بنبرته الحادة حيال حزب الله «واتهامه بضرب الاستقرار في لبنان جراء انتهاكه لسياسة النأي بالنفس في سوريا، واستمراره في انتهاك المعايير الدولية وقرارات مجلس الامن واتخاذ قرارات الحياة والموت نيابة عن كل لبنان»، كلام غير قابل للصرف وهو بحسب اوساط ديبلوماسية في بيروت مجرد استكمال لدبلوماسية «الغش» التي بدأها وزير الخارجية الاميركية جون كيري من السعودية الاسبوع الماضي لطمأنة الحلفاء من نتائج الاتفاق النووي المفترض مع ايران.
وبحسب تلك الاوساط، فان كلام هيل لم يقدم اي جديد «يثلج قلوب» قوى 14 اذار في ظل انهماكها بالعمل على انتاج وثيقة سياسية تعيد احياء «رميمها» في ذكرى انطلاقتها، فحزب الله عندما اتخذ قرار «التدخل» في سوريا لم يتحرك بضوء «اخضر» اميركي حتى يمني بعض «الواهمين» النفس بتغيير جذري في تعامل الادارة الاميركية مع الملف اللبناني ينعكس على هذا «التدخل»، فالموقف الاميركي الرسمي المعلن لم يتغير منذ اليوم الاول، لكن ترجمته العملانية على ارض الواقع تعادل «الصفر»، فعندما قدمت بعض القوى نفسها «للمشاغبة» في وجه الحزب داخليا لارباكه والتأثير على تدخله في سوريا، لم تحرك السفارة الاميركية ساكنا، ولاحقا نصحت الحلفاء في بيروت بالتهدئة بحجة عدم ضمان النتائج، واليوم بعد ان نجح حزب الله بتجاوز كافة «الالغام» المحلية وتأقلم مع حضوره المستجد على الساحة السورية ووسع المدى الجغرافي لاستشاراته العسكرية، لم تعد هناك من قدرة فعلية على اعادة «عقارب الساعة» الى الوراء، واذا كان ثمة من يستمر في رهانه على فشل الاتفاق النووي الايراني الغربي ليبنى على الشيء مقتضاه على الساحة اللبنانية، فان كل التقارير الديبلوماسية المعطوفة على تقارير امنية تشير الى ان حلفاء قوى 14 اذار الغربيين غير مستعدين للدخول في «مغامرة» لبنانية غير محسوبة، وهيل في هذا السياق يبيع الحلفاء مجرد مواقف «فارغة» من اي مضمون جاد يمكن التعويل عليه في الحد من اندفاعة حزب الله او تغيير استراتيجيته التي تجاوزت حدود «الزواريب» اللبنانية الضيقة.
وتلفت تلك الاوساط الى ان تصريحات هيل قد تكون مدعاة لقلق الحلفاء وليس لطمأنتهم خصوصا ان اصداء لقاءات كيري في الرياض لم تكن مشجعة، فرئيس الدبلوماسية الاميركية ابلغ دول الخليج دون مواربة أن الرئيس أوباما عازم على توقيع التسوية النووية مع إيران وتمنى عليهم «التسليم» بالأمر الواقع، اما قوله إن الصفقة لا تعني تسليم بلاده بالنفوذ الايراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فلم تنطل على من سمع كلامه «وهز» برأسه ممتعضا، لان ما حمله كيري إلى الرياض أتى متأخراً، فالقدرة على منع طهران من التوسع باتت صعبة للغاية، والاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة هذا الامر اكثر صعوبة لان اجندة الادارة الاميركية واولوياتها لم تعد هي نفسها مع الحلفاء العرب الذين يراقبون بقلق شديد هذا الاهتزاز الكبير في العلاقة بين اوباما ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو على خلفية الخلاف حول ايران، ويدركون ان موقعهم في العاصمة الاميركية لا يقارن بموقع اسرائيل، واذا كانت واشنطن لم تكترث «بصراخ» نتنياهو فهي طبعا لن تتوقف امام اعتراضاتهم.
وبحسب تلك الاوساط، فان العراق كان «المصيدة» التي حاول الخليجيون محاصرة كيري بها لتبرير مخاوفهم واظهار مدى استيائهم من سياسة ادارته، فكيري خلال لقاءاته في الرياض لم يملك اجابات مقنعة حول مسار العمليات العسكرية في العراق وحتى في سوريا، فقيل له انه عندما جرى التفاهم على الائتلاف الدولي لقتال «داعش» كان الاتفاق واضحا لجهة احتواء التنظيم في حدود جغرافية محددة واستغلال تمدده لتحقيق مكاسب سياسية على حساب الايرانيين خصوصا في العراق، فالرياض كانت تمني النفس بالعودة الى بغداد من «بوابة» «داعش» الذي سيطر بمساعدة فاعلة من الاتراك وتواطؤ من حلفاء السعوديين على اكبر المحافظات السنية، وكان كل شيء يشي بان الرياض ستصبح رقما صعبا في المعادلة العراقية بعد ان اصبحت خارج «اللعبة» منذ الاحتلال الاميركي عام 2003، لكن الحال تبدل وباتت الاستراتيجية الاميركية تعمل بمعزل عما اتفق عليه مع الدول المشاركة في الائتلاف، واصبحت إدارة اوباما تعتمد بشكل كامل على «المقاتلين» المدعومين من طهران في جهود احتواء تنظيم «داعش» في العراق. وهذا ما حمل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لانتقاد نظيره الأميركي علنا عندما قال في المؤتمر الصحافي المشترك إن من يريد اكتشاف الدور الإيراني في العراق فعليه مراقبة ما يجري في تكريت.
وهذه الملاحظات العلنية جاءت ردا على قول كيري خلال المحادثات ان قيادة العمليات في الجيش الاميركي لا تنسق الجهود العسكرية مع إيران والطائرات الاميركية لا توفرالغطاء الجوي للعملية، فكانت الاجوبة السعودية «غاضبة» لعلم الفيصل بوجود تنسيق عالي المستوى عبر الطرف العراقي، لكن كيري لم يخف بحسب تلك الاوساط استياء ادارته من «نق» الحلفاء وكان واضحا بسؤاله عما قدمته تلك الدول، وما بامكانها ان تقدمه في مواجهة «داعش»، وخلص الى تبرير «غض الطرف» عن التدخل الايراني بالقول ان المشاركة الإيرانية في الحرب تعمل على مساعدة العراقيين على الوقوف أمام تقدم «التنظيم» حتى يفرغ المستشارون العسكريون الأميركيون من تدريب القوات العراقية؟. وهكذا فهم من استمعوا الى وزير الخارجية الاميركي ان استراتيجية اوباما تقوم على افتراض أن إيران ستتولى المعارك على الأرض دون اي قيود.
وانطلاقا من هذه المعطيات، فان زيارة كيري الى السعودية لم ولن تخرج الرياض من حالة القلق، وكلام هيل في بيروت لن يساهم في طمأنة حلفائه، فقد سبق لواشنطن ان همشت دور دول الخليج في المفاوضات النووية مع إيران، وضللتهم عندما أبعدتهم عن المفاوضات السرية في سلطنة عُمان. كما جرى في الوقت نفسه تهميش دور الحلفاء على الساحة اللبنانية بعد اشهر قليلة من الازمة السورية، واي عملية انعاش مفترضة في الايام والاسابيع المقبلة لهذه الادوار لم يعد مجديا لان الاحداث والتطورات باتت في مكان اخر، فإيران باتت شريكاً واقعيا وضرورياً للولايات المتحدة للقضاء على «الارهاب» في المنطقة، واذا كانت واشنطن تغض الطرف عن توغل «فيلق القدس» الإيراني في العراق وسوريا، فالكلام عن اعتراض اوممانعة مستجدة لدخول حزب الله الى هناك، مجرد ترف فكري لن يجد من يصدقه او يقدر على منع حصوله، وحلفاء واشنطن يدركون اليوم انه مهما انتهت اليه المفاوضات النووية من نتائج فهي ستكون على حسابهم، فأي تسوية اميركية- ايرانية لن تكون محصورة في شقها النووي بل ستعزز النفوذ الايراني، وحتى لو فشلت «الصفقة»، فان واشنطن لم تعد قادرة على وقف «الزحف» الايراني بعد ان استفادت طهران من «الفوضى» الراهنة لتعزيز مكانتها في الاقليم.
اما في الموضوع الرئاسي، فان قول هيل انه «لا سبب للتأخير في انتخاب رئيس للجمهورية ويجب الا تكون هناك اي توقعات لصفقات خارجية لاختيار الرئيس «، فهو يتلاقى مع كلام لنائب الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم قبل ساعات جاء في سياق نصيحته للطرف الاخر «بعدم انتظار التسوية النووية، وانتخاب الرئيس المسيحي القوي.» فهل كلام هيل موجه للمملكة العربية السعودية؟ وهل هي نصيحة للحلفاء في بيروت؟ هذا ما تخشاه قيادات 14آذار، وقد دفع القلق البعض منهم الى الاتصال «بعوكر» مستفسرا !
(الديار)